] وَإِذْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَالْفُرْقَانَ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ[.
يثير اللّه ،في هذه الآية ،أمام بني إسرائيل مسألة إنزال الكتاب والفرقان كنعمة عظيمة من النعم الكبيرة التي يمنّ اللّه بها عليهم ،باعتبار أنه سبيل الهداية إلى الحقّ ؛الأمر الذي يوحي بأنَّ الاهتداء إلى الطريق القويم نعمةٌ عظيمة كبيرة ،وأيُّ نعمة أعظم من النعمة التي تفتح للإنسان مجالات الحياة السعيدة الرخيّة المرتكزة على قاعدةٍ ثابتةٍ من المبادىء الحقّة والقيم الكبيرة ،وتسيِّره نحو المصير الآمن الذي لا يخاف فيه شيئاً ،وتجعله يسير في النور عندما يفكر وعندما يعمل أو يتعاون مع الآخرين .
والظاهر أنَّ كلمة الفرقان ،التي تعبِّر عن الفارق بين الحقّ والباطل ،تعتبر تفسيراً لكلمة الكتاب ،على سبيل العطف التفسيري الذي يُراد به توضيح الصفة العلمية للكتاب .
] وَإِذْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَالْفُرْقَانَ[ الذي يفصل بين الحقّ والباطل في مفاهيمه وشرائعه ومناهجه ،بحيث يحقّق لكم الثقافة الواعية التي تعرف حدود الأشياء في سلبياتها وإيجابياتها .] لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ[ بآياته في إيحاءاتها وأفكارها وخطوطها الواضحة للمسيرة الإنسانية في الحياة .
التركيز على الجانب المعنوي في الرسالات:
ونستوحي من هذه الآية أنَّ على الدعاة أن يركزوا على طبيعة النعم التي أنعم بها اللّه على الإنسان ،فلا يقتصروا على النعم الحسية التي يمارس الإنسان من خلالها شهواته ولذّاته ومطامحه الذاتية ،بل يثيروا أمامه النعم التي تتصل بفكره وخطواته العملية ومصيره في الدنيا والآخرة ،في ما يتصل بقضايا الحقّ والباطل من القيم الروحية والإنسانية الكبرى ،التي ترتفع بمستوى الإنسان الروحي والاجتماعي .وسنجد في الآيات القرآنية المقبلة كثيراً من هذه اللفتات التي تركز على الجانب المعنوي في النعم المعنوية ،كما تؤكد الجانب المادي في النعم المادية ،ممّا يدخل في طبيعة تكوين الشخصية الإسلامية التي يمتزج فيها الجانب الروحي بالمادي من دون ازدواجية أو انفصال .
ولعلّ القيمة في هذا التوجيه التربوي ،هي أنه يمنح الإنسان المسلم شعوراً بالغبطة والسعادة أمام الصعوبات والتحدّيات التي تواجهه في مسيرته نحو إقرار شريعة اللّه في الحياة ،باعتبار أنها لا تعني شيئاً أمام نعمة اللّه في التشريع المرتكز على أساس الحقّ والعدل في جميع جوانب الحياة المادية والروحية ،ويخلّصه من كثير من سلبيات الطريق الصعبة .