وبعد أن بين الله تعالى أنه سبحانه وتعالى عفى عنهم ، مع عظيم ما ارتكبوا وأنه سبحانه يدعوهم إلى شكره وأن حالهم حال من يوجب على نفسه الشكر ، بعد ذلك ذكر الله تعالى أنهم قد صاروا في منزلة ليست كمنزلة فرعون وقومه ، وآله الذين ناصروه ، ومالئوه في كفره ، ولم يرشدوه أو يوجهوه إلى طريق الهداية ؛ لأنهم ببعث موسى عليه السلام إليهم ، قد صاروا أهل كتاب ، ولذا ذكرهم الله تعالى بنعمة النبوة فيهم فقال تعالى:{ وإذا آتينا موسى الكتاب والفرقان} ، يذكرهم الله تعالى بنعمه عليه بأن آتاه سبحانه وتعالى الكتاب ، وهو التوراة ، وفيها أحكام الله تعالى ، وأنهم بها يخرجون من حكم الطاغوت الظالم الذي يسيطر عليه هوى فرعون وأوهامه والذي كان لا يرعى في عذابكم عهدا ولا ذمة ، ولا خلقا ، ولا مراعاة ، تخرجون من هذا إلى حكم الله تعالى بكتاب تتقيدون بأحكامه حكاما ومحكومين ، فلا يفرط عليكم حالكم ولا يطغى كما كان بشأن في فرعون لعنه الله تعالى .
والفرقان هو الكتاب نفسه ، وهو التوراة ، فهي كتاب مكتوب لا تخالف أحكامه ، ومسجل عليكم ، وهو ميثاق الله تعالى ، وهو مع هذه الحال فارق بين الحق والباطل وحكم الله تعالى ، وحكم فرعون ، فالتعبير بالفرقان إشارة إلى أنه قد نزل عليهم وهو مفرق بينهم ، وبين ما كانوا فيه ، فإذا كانت المعجزة الباهرة أن الله تعالى فرق لكم البحر فخرجتم ، فقد فرق بينكم وبين طغيان فرعون بحكمه السماوي الذي لا يخالطه باطل ولا ظلم .
وإن هذا الكتاب هو سبيل هدايتكم ، ولذا قال سبحانه لعلكم تهتدون ، أي رجاء أن تهتدوا بهداية الله تعالى ، فالرجاء منهم ، أو الرجاء من الله تعالى على معنى أن حالهم فيما أنزل إليهم ، وفيما جاءهم من الآيات حال من يرجون الهداية ، أو أن ذلك أمر لهم بالهداية ، وهم على رجاء منها .