{الرحمن الرحيم}: الرحمن صفة ذاتية هي مبدأ الرحمة ،وقد تقدم أنه لا يوصف بها إلا الله:{الرحمن عَلَّمَ القرآن} [ الرحمن:2] ،{الرحمن عَلَى العرش استوى} [ طه: 5] .{قُلِ ادعوا الله أَوِ ادعوا الرحمن} [ الإسراء: 110] .
أما الرحيم ،فقد كثر استعمالها في القرآن وصفاً فعليا وجاءت بأسلوب إيصال النعمة والرحمة:{إِنَّ الله بالناس لَرَءُوفٌ رَّحِيمٌ} [ البقر: 143]{وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ} [ الأعراف: 155]{وَكَانَ بالمؤمنين رَحِيماً} [ الأحزاب: 43] .ولا نطيل أكثر من ذلك ،وإنما نريد أن نبين هنا نكتة إعادتهما وتكرارهما .فنأياً عن أن يُفهم من لفظة الرب صفة الجبروت والقهر أراد الله تعالى أن يذكِّر الخلق برحمته وإحسانه ،ليجمعوا بين اعتقاد الجلال والجمال .فذكَر «الرحمن » أي المفيض للنعم بسعة وتجدُّد لا منتهى لهما ،و«الرحيم » الثابتَ له وصف الرحمة ،لا تزايله أبدا .بذا عرّفهم أن ربوبيته رحمة وإحسان ،ليعلموا أن هذه الصفة هي الأصلية التي يرجع إليها معنى بقية الصفات فيتعلقوا به ويُقبلوا على اكتساب مرضاته .
هذا وإن تكرار وصف الله لنفسه بالرحمن الرحيم في فاتحة الكتاب لهو تأكيد لمعنى أن الدين الذي كتابه القرآن إنما تقوم فضائله ونظُمه على الرحمة والحب والإحسان .
وإذا كان الحمد لله والثناء عليه مرجعهما وأساسهما التربية من الله للعالَم ،فما أجدر المؤمن أن يتخلق بخُلق الله ،وان يلتمس الحمد والثناء من هذا السبيل الكريم .فمن حمّله الله مسئولية التربية من إمام أو معلّم أو أحد الزوجين ،فإن عليه أن يعتبر ما كُلف برعايته أمانةً عنده من المربي الأعظم سبحانه ،فلْيمض فيها على سَنَن الرحمة والإحسان ،لا الجبروت والطغيان .إن ذلك أوفى إلى أن يُصلح الله به ،وأقربُ أن تناله رحمته .