بعد التحذير من التلكؤ في الاستجابة للدعوة ،والتبديل بعد النعمة يذكُر لنا الله تعالى حال الذين كفروا وحال الذين آمنوا ،فيقول: أن السبب في الانحراف والكفر هو حب الدنيا ،فقد زُين للذين كفروا هذه الدنيا فتهالكوا عليها ،وتهافتوا عليها ،فمضوا يسخرون من المؤمنين ،مثل عبد الله بن مسعود وعمار بن ياسر وصهيب ،كما يسخرون من أغنياء المؤمنين بأنهم لا يتلذذون في الحياة .وقد رد تعالى على أولئك الساخرين بتفضيل أهل اليقين فقال{والذين اتقوا فَوْقَهُمْ يَوْمَ القيامة} أي: أن المتقين المؤمنين سيكونون أعلى منهم في تلك الحياة الأبدية مقاما ،وأرفع منزلة ،فليمضوا في طريقهم لا يحفلون بشيء .
وستظل الحياة تعرف هذين الصنفين من الناس: المؤمنين الذي يتلقَّون قيمهم ومفاهيمهم من الله ،فيرفعهم ذلك عن سفساف الحياة وأعراض الأرض .والكافرين الذين زُينت لهم الحياة الدنيا واستعبدتهم أعراضُها ،فتبعوا مطامعهم وهبطوا إلى الحضيض .
{والله يَرْزُقُ مَن يَشَآءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ ...} ،يعطي كثيرا بلا تضييق ولا تقتير لمن يشاء ،فهو قد يعطي الكافرين زينة الحياة الدنيا لحكمة منه ،ويعطي المختارين من عباده ما يشاء في الدنيا والآخرة .فالعطاء كله من عنده .لذلك ترك كثيرا من الأبرار ومن الفجار متمتعين بسعة الرزق ،وكثيرا من الفريقين فقراء معسرين .ولكن المتقي يكون أكثر احتمالا ،فلا يؤلمه الفقر كما يؤلم الفاجر ،إذ هو بالتقوى يجد المخلّص من كل ضيق .