الافتراء: اختلاق الكذب .
غمرات: واحدها غمرة ،الشدة .
اليوم: المراد به يوم القيامة .
عذاب الهون: الذل الهوان .
بعد أن بين سبحانه أن القرآن كتاب من عند الله ،وبذلك رد على الذين أنكروا إنزاله على محمد ،قَفَّى هنا على ذلك بوعيد من كذَب على الله أو ادعى النبوة .
ليس امرؤ أشدّ ظُلماً ممن كذب على الله ،أو قال تلقيّت وحياً من عند الله كذبا وبهتاناً ،كما فعل مسيلمة الكذّاب والأسوَد العنسي فيما بعد .
كذلك ليس أحد اشدّ ظلماً ممن قال: سآتي بكلام مثل هذا القرآن .وكان النضر بن الحارث بن كلدة ،أحد كفار قريش ،يقول: إن القرآن أساطير الأولين ،وهو شعر لو نشاء لقنا مثله .كما كان يجمع الناس بمكة ويقول لهم: تعالوا: أحدّثكم بأحسن من حديث محمد .وقد أُسر النضر يوم بدرٍ وقُتل بعد أن انتهت المعركة ،وجاءت أخته قتيلة ،ويقال إنها بنته إلى النبي صلى الله عليه وسلم بقصيدة ترثي أخاها وتعاتب الرسول الكريم منها:
يا راكباً إن الأُثَيْل مظنة من صبح خامسة وأنت موفق
أمحمدٌ يا خير ضِنْءِ كريمة في قومها والفحلُ فحل مُعْرِق
ما كان ضرَّك لو مننتَ وربما منّ الفتى وهو المَغيظُ المحنّق
الأثيل: بالتصغير موضع قرب المدينة .ضنء: نسل .
قال ابن هشام في السيرة: إن النبي عليه السلام عند سماعها قال: لو بلغَني هذا الشعر قبل قتله لمننتُ عليه » .
{وَلَوْ ترى إِذِ الظالمون فِي غَمَرَاتِ الموت ،والملائكة باسطو أَيْدِيهِمْ أخرجوا أَنْفُسَكُمُ} .
الخطاب للرسول الكريم ،ثم لكل من سمعه أو قرأه ومعناه: لو تُبصر إذ يكون الظالمون في شدائد الموت ،تحيط بهم كما تحيط غمرات الماء بالغرقى ،رأيتَ ما لا قدرة للبيان على وصفه .إذنْ لرأيتَ الملائكة ينزعون أرواحهم من أجسادهم في قسوة وعنف .
ثم حكى سبحانه أمر الملائكة لهم على سبيل التهكَم والتوبيخ حين بسطوا أيديهم لقبض أرواحهم «أخرِجُوا أنفُسَكُم » .
يومئذ يقال لهم: الآن تبدأ مجازاتكم بالعذاب المذلّ المهين ،جزاء ما كنتم تقولون على الله غير الحق ( كقول بعضهم: ما أنزل الله على بشر من شيء ،وقول بعض آخر: إنه أوحي إليه ،وما أشبهَ ذلك من الكفر والعناد ) ،وجزاء استكباركم عن النظر والتدبر في آيات الله الكونية والقرآنية .