إن وعد الله على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم آت لا محالة يوم لا ينفع نفس إيمانها بعد أن كفرت ، ولذا قال تعالى:{ أثم إذا ما وقع آمنتم به آلآن وقد كنتم به تستعجلون51} .
{ ثم} عاطفة وهي للترتيب والتراخي ، والترتيب هو ترتيب الاستفهام بعد الاستفهام ، والاستفهام السابق كان لتصور العذاب وحالهم عنده ليعتبروا ولا يستعجلوا ، وجاء الاستفهام الذي يليه وقد وقع العذاب فعلا ؛ فالأول كان لتصوير العذاب متوقعا ، والثاني لوقوعه بهم والتفاوت بينهم كالتفاوت بين المتوقع والواقع والتصور والحقيقة ، وفيه الإشارة إلى أنهم لماديتهم لا يؤمنون إلا بما يرون .
والتوقع هو ما يريد النبي صلى الله عليه وسلم أن يتوقعوه ويتصوروه ، وإلا فهم مكذبون مستهزؤون .
و{ ثم} متأخرة والتقديم للاستفهام ؛ لأن له الصدارة وتقدير القول أنه إذا ما وقع ورأيتموه رأي العين في الآخرة آمنتم به وصدقتموه ، وقد قضى زمن التكليف وانتهت دار الابتلاء وجاءت دار الجزاء ، إنه إيمان لا ينفع .
ثم أردف سبحانه ذلك بتوبيخهم على تأخرهم في الإيمان واستعجالهم العذاب فقال سبحانه:{ آلآن وقد كنتم به تستعجلون} أي تؤمنون به في هذا الوقت المتأخر وقد كنتم مكذبين وتستعجلون متحدين أو متهكمين أو ساخرين ، فالاستفهام إنكاري توبيخي ، والتوبيخ من نواح ثلاث:
أولاها- من ناحية إنكارهم البعث .
ثانيتهما- من ناحية تهكمهم على من ينذرهم .
ثالثتها – أنهم لا يؤمنون إلا في الوقت الذي لا ينفع النفس إيمانها .
وقوله تعالى:{ وقد كنتم به تستعجلون} يقول كثير من المفسرين التابعين للزمخشري:{ تستعجلون} معناها تكذبون ، وإني أقول أنهم كانوا مكذبين حقيقة ولكن كانوا يستعجلون فعلا ولو بظاهر القول ، ويكون ذكر الاستعجال تهكما بهم وتوبيخا لهم في قوله تعالى:{ وقد كنتم به تستعجلون} جمع بين الماضي والحاضر ، وهو دليل على استمرار استعجالهم التهكمي وتكذيبهم باليوم الآخر ووعد الله تعالى بالجزاء .
هذه حال المكذبين وإيمانهم بعد وقوع العذاب وإنكارهم لتوقعه ثم إيمانهم به بعد أن يروه ، ثم يبين سبحانه وقوع العذاب وتمكنه منهم فيقول تعالى: