عطفت جملة:{ أثم إذا ما وقع} بحرف المهلة للدلالة على التراخي الرتبي كما هو شأن ( ثم ) في عطفها الجمل ،لأن إيمانهم بالعذاب الذي كانوا ينكرون وقوعه حين وقوعه بهم أغرب وأهم من استعجالهم به .وهمزة الاستفهام مقدمة من تأخير كما هو استعمالها مع حروف العطف المفيدة للتشريك .والتقدير: ثم أإذا ما وقع ،وليس المراد الاستفهام عن المهلة .
والمستفهم عنه هو حصول الإيمان في وقت وقوع العذاب ،وهذا الاستفهام مستعمل في الإنكار بمعنى التغليط وإفساد رأيهم ،فإنهم وعدوا بالإيمان عند نزول العذاب استهزاء منهم فوقع الجواب بمجاراة ظاهر حالهم وبيان أخطائهم ،أي أتؤمنون بالوعد عند وقوعه على طريقة الأسلوب الحكيم ،كقوله تعالى:{ يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج}[ البقرة: 189 .]
وكلمة{ آلآن} استفهام إنكاري عن حصول إيمانهم عند حلول ما توعدهم ،فعبر عن وقت وقوعه باسم الزمان الحاضر وهو ( الآن ) حكاية للسانِ حالِ منكر عليهم في ذلك الوقت استحضر حال حلول الوعد كأنه حاضر في زمن التكلم ،وهذا الاستحضار من تخييل الحالة المستقبلة واقعة .
ولذلك يحسن أن نجعل ( آلآن ) استعارة مكنية بتشبيه الزمن المستقبل بزمن الحال ،ووجه الشبه الاستحضار .ورمز إلى المشبه به بذكر لفظ من روادفه ،وهو اسم الزمن الحاضر .
وجملة:{ وقد كنتم به تستعجلون} ترشيح ،وإما تقدير قول في الكلام ،أي يقال لهم إذا آمنوا بعد نزول العذاب آلآن آمنتم ،كما ذهب إليه أكثر المفسرين .فذلك تقدير معنى لا تقدير نظم وإعراب لأن نظم هذا الكلام أدق من ذلك .
ومعنى:{ تستعجلون} تكذبون ،فعبر عن التكذيب بالاستعجال حكايةً لحاصل قولهم{ متى هذا الوعد}[ يونس: 48] الذي هو في صورة الاستعجال ،والمرادُ منه التكذيب .
وتقديم المجرور للاهتمام بالوعد الذي كذبوا به ،وللرعاية على الفاصلة .