{ قل الله أعلم بما لبثوا له غيب السماوات والأرض أبصر به وأسمع ما لهم من دونه من ولي ولا يشرك في حكمه أحدا 26} .
الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم ليعلم به المؤمنين ، ويستوثقوا من أنه الحق الذي لا ريب فيه ، وأفعل التفضيل في قوله:{ قل الله اعلم بما لبثوا} ليس على بابه ، لأنه لا يوازن بين علم الله تعالى وعلم أحد فهو العلم الكامل والمراد من أفعل التفضيل أن الله تعالى يعلم ذلك علما ليس فوقه علم ، لأنه علم الله تعالى ، وهو بكل شيء عليم ، وإن علم الغيبيات لا يعلمه إلا خالق لكل شيء ، ولذا قال تعالى:{ له غيب السماوات والأرض} له وحده الغيب في السماوات ، فكل مغيب يعلمه الله تعالى ، لأنه الخالق ، كما قال تعالى:{ ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير 14} ( الملك ) ، ثم أكد سبحانه وتعالى علمه الدقيق الذي هو أعلى درجات العلم كعلم البصر ، وكأعلى درجات العلم بالسمع ، فقال تعالى{ أبصر به وأسمع} هاتان الصيغتان من صيغ التعجب ، فما مؤداهما بالنسبة لله تعالى ؟ الجواب عن ذلك أن معناهما أن علم الله تعالى بلغ أقصى درجات العلم الدقيق بالبصر ، حتى إنه يرى ما لا يراه الخلق ، وأعلى درجات العلم بالسمع حتى إنه يسمع دبيب النمل الذي لا يسمع ، وإن نتيجة ذلك علمه سبحانه بالغيب كأنه مرئي مسموع فهو سبحانه لا تخفي عليه خافية في الأرض والسماء{ مالهم من دونه من ولي} ، الضمير في{ لهم} يعود إلى أهل الكهف ، لأنهم المتحدث عنهم ، و{ من} لاستغراق النفي ، والمعنى ما لهم بدله من ولي تولى أمورهم وعلم أحوالهم في غيّهم أي ولي كان ،{ ولا يشرك في حكمه أحدا} ، أي لا يشرك سبحانه أحدا في سلطانه وملكه وحكمه .
وقبل أن ننتهي من الكلام عن أهل الكهف نذكر كلمة في مدة لبثهم في الكهف ، فنقول:إن القرآن عين المدة بالسنة الشمسية ، وأشار إلى الزيادة التي تزيدها السنة القمرية ، وهي تسع سنين ، وقد ذكرنا أنه بحساب السنين يتبين أن الفرق بينهما تسع سنين على أساس أن كل ثلاث وثلاثين سنة وثلث يزداد سنة واحدة ، وبهذا يكون العدد ما ذكره القرآن الكريم بعبارته وإشارته .
متى ابتدأت هذه المدة ؟ المتفق عليه أنها ابتدأت بعد المسيح عليه السلام ، وإنها ابتدأت عندما أخذ الوثنيون يضطهدون أتباع المسيح عليه السلام ، وأن الله تعالى كشف الغمة التي كان ضربها على آذانهم في عصر زال فيه الاضطهاد ، أو كان الحاكم أو الجمع الذي حضر يقظتهم من رقوضهم كان الاضطهادلم يكن فيه قائما بدليل العمل على تكريمهم وبناء مسجد على مدافنهم ، مع التأكد من المدة تسع وثلاثمائة ، أو ثلاثمائة فقط إذا كانت شمسية ، وإنه لهذا يجب أن تمضى هذه المدة بين عصر الاضطهاد ، وعصر الأمان مع بقاء المسيحية على ما كانت عليه .
ولقد يقول بعض المفسرين إن اختفاءهم كان في عهد دقلديانوس ، وقالت كتابات النصارى في أخبار شهداء النصرانية وفي كتاب الكنز الثمين:إن اختفاءهم في الكهف كان سنة 252 ميلادية ، وظهورهم كان سنة 447 ، ولا شك أن القرآن يكذب هذا ، وهو أصدق قيلا ، لأنه في سنة 447 كانت النصرانية قد سادها التثليث ، وإن لم يكن استغرق كل أهلها ، بل لا تزال منهم أمة مقتصدة .
وقول المفسرين إن التزامهم الكهف كان في عهد دقلديانوس فيه كلام ، لأن دقلديانوس كان في القرن الثالث في أخره ، والواقعة التي أنزلها بنصارى نصر كانت سنة 284 ، فإذا كان الاختفاء في آخر القرن الثالث فيجب أن يكون الظهور في آخر القرن السادس وكانت قد عمت ديانة التثليث ، الله إلا أن يكون صادف ظهورهم ملك لا يزال على دين المسيح ، ولا يؤمن إلا بأنه عبد الله ورسوله ، ولهذا نحن نميل إلى أن أهل الكهف كانوا على مقربة من عصر المسيح ، وأنهم ظهروا قبل أن يسود النصرانية التثليث ، ومهما يكن الأمر فإننا لا نؤمن في أخبارهم إلا بالقرآن وحده ، ولذلك لا نتلو إلا القرآن ، كما قال تعالى:
{ واتل ما أوحي إليك من كتاب ربك لا مبدل كلماته ولن تجد من دونه ملتحدا 27} .