26-{قل الله أعلم بما لبثوا له غيب السماوات والأرض ...}
إن الله أعلم بمدة لبثهم في الكهف على وجه اليقين ؛وكانت هناك أقوال لليهود والنصارى وغيرهم حول المدة التي مكثها هؤلاء الفتية في الكهف ،وفي عددهم ،فكأن الله سبحانه يقول:
ما أخبرتك يا محمد ،هو فصل الخطاب في موضوعهم ،وقد أعلمتك به ،وما أخبرتك به هو الحق الصحيح ،الذي لا يحوم حوله شك ؛فلا تلتفت إلى غيره من أقوال الخائضين في أمر هؤلاء الفتية ؛فإن الله هو الأعلم بحقيقة ذلك .
{له غيب السماوات والأرض} .
أي: هو سبحانه المختص بعلم الغيب ،وهو علام الغيوب ؛فلا يخفى عليه علم شيء في الأرض والسماء ،وقد أخبرك السميع العليم ،بالخبر القاطع في شأنهم .
{أبصر به وأسمع} أي: إنه لبصير بهم ،سميع لهم .
قال ابن جرير: وذلك في معنى المبالغة في المدح ؛كأنه قيل: ما أبصره وأسمعه !وتأويل الكلام: ما أبصر الله لكل موجود ،وأسمعه لكل مسموع ،ولا يخفى عليه من ذلك شيء !
وقال قتادة:{أبصر به وأسمع ؛فلا أحد أبصر من الله ولا أسمع .
{ما لهم من دونه من ولي ولا يشرك في حكمه أحدا} .
أي: ليس لأهل السماوات ولا لأهل الأرض ولا لغيرهما نصير ينصرهم أو ولي يلي أمرهم ،غير الله تعالى هو الذي له الخلق والأمر ،لا معقب لحكمه ،وليس له وزير ولا نصير ،ولا شريك ولا مشير ،تعالى وتقدس .
العبر والعظات
من العبر والعظات التي تؤخذ من قصة أصحاب الكهف ما يأتي:
1-إثبات صدق الرسول صلى الله عليه وسلم فيما يبلغ عن ربه عز وجل ؛فقد بلغ عن الله عز وجل ؛فقد بلغ عن الله عز وجل قصتهم وعددهم وصدق مكثهم ،وصدق الله تعالى إذ يقول:{نحن نقص عليك نبأهم بالحق ...} ( الكهف: 13 ) .
2- ساق القرآن الكريم القصة مجملة ،ثم ساقها مفصلة ،وفي هذا أدب للدعاة والهداة والمرشدين ،في الاستفادة بأسلوب الإجمال ثم التفصيل .
3- بيان أن الإيمان إذا استقر في القلوب هان كل شيء في سبيله ؛فهؤلاء الفتية آثروا الفرار بدينهم ،ولجئوا إلى ربهم راغبين في مثوبته وهدايته ؛فأكرمهم الله ورعاهم .
4- أن يد الله مع المتقين ،ومعونته مع الصادقين ،فقد برأ هؤلاء الفتية من عبادة الأوثان ،وآثروا الكهف على كل متاع الحياة الدنيا ؛فشملهم الله برعايته ،وأرسل عليهم النوم مدة طويلة ،وحفظ أجسامهم من البلي ،وأرسل عليهم المهابة فلم يعتد عليهم معتد ،وحفظهم من حرارة الشمس ،وبعثهم في عهد ملك صالح ،احتفى بهم وأكرمهم .
5- التواصي بالحق والصبر ،يؤدي إلى النجاح والفلاح ؛فهؤلاء الفتية اجتمعوا على الحق ووقفوا في وجه الباطل فاستحقوا معونة الله وبركته وتوفيقه .
6- أن مباشرة الأسباب مشروعة لا تنافي التوكل على الله فهؤلاء الفتية عندما خرجوا من ديارهم ،أخذوا بعض النقود ،وبعد بعثهم من رقادهم ؛أرسلوا واحدا منهم ؛ليشتري لهم طعاما ؛وأمروه بأخذ الحيطة والحذر .
هكذا العقلاء لا يمنعهم توكلهم على الله تعالى ؛من أخذ الحيطة في كل شؤونهم التي تستدعي ذلك .
7- إقامة أوضح الأدلة على أن البعث حق ؛لأن الله سبحانه وتعالى ،الذي بعث الراقدين من نومهم بعد مئات السنين ،قادر على إحياء الموتى يوم القيامة .