فوجئت البتول مريم – وهي في مكان قصي شرقي قد انتبذت الناس ، واتخذت من دونهم حجابا – بصورة رجل من البشر يدخل عليها ولا تدري من أين جاءها ، وقد سدّت الأبواب ، وقام الحجاب ، وفي الفزع من المفاجأة ، قال الله عنها:
{ قالت إني أعوذ بالرحمن منك إن كنت تقيا 18} .
أي ألجأ إلى الله تعالى حذرة خائفة ، وذكرت الله تعالى بوصف الرحمن كأنها تستغيث من الناس برحمة الله تعالى ، وأنها في هذه الساعة تلجأ إلى رحمة الرحمن الرحيم ، ثم تتجه إلى الذي دنا منها مستنجدة بتقواه ، فتقول:{ إن كنت تقيا} ، طاهرا متصونا مرجوا تخاف الله تعالى وتخشاه ، فهي تلجأ إلى الرحمن ، وتحثه على أن يخافه ويتقيه ، ويكون امرءا يخاف عذابه ويرجو ثوابه ، هنا يتقدم الملك الذي تمثل بشرا سويا يعلن حقيقته ومهمته ، وأنه ما جاء لينال منها شرا وأن ما سبق إلى وهمها ينفيه نفيا قاطعا ، ويزكيها ويقوي اصطفاء الله تعالى كما جاء في سورة آل عمران:{ وبرا بوالديه ولم يكن جبّارا عصيا 14} .