وقوله تعالى:{اقْرَأْ كَتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا} [ الإسراء: 14] يعني أن نفسه تعلم أنه لم يظلم ،ولم يكتب عليه إلا ما عمل ؛لأنه في ذلك الوقت يتذكر كل ما عمل في الدنيا من أول عمره إلى آخره ؛كما قال تعالى:{يُنَبَّأُ الإِنسَانُ يَوْمَئِذِ بِمَا قَدَّمَ وَأَخَّرَ} [ القيامة:13] .
وقد بين تعالى في مواضع أخر: أنه إن أنكر شيئاً من عمله شهدت عليه جوارحه .كقوله تعالى:{الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَآ أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ} [ يس:65] ،وقوله:{وَقَالُواْ لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدتُّمْ عَلَيْنَا قَالُواْ أَنطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنطَقَ كُلَّ شَيءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ وَمَا كُنتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَن يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلاَ أَبْصَارُكُمْ وَلاَ جُلُودُكُمْ وَلَكِن ظَنَنتُمْ أَنَّ اللَّهَ لاَ يَعْلَمُ كَثِيراً مِّمَّا تَعْمَلُونَ وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنتُم بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ مِّنَ الُخَاسِرِينَ} [ فصلت: 21-23] ،وقوله جلَّ وعلا{بَلِ الإِنسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ} [ القيامة: 14-15] ،وسيأتي إن شاء الله لهذا زيادة إيضاح في سورة القيامة .
تنبيه
لفظة «كفى » تستعمل في القرآن واللغة العربية استعمالين:
تستعمل متعدية ،وهي تتعدى غالباً إلى مفعولين ،وفاعل هذه المتعدية لا يجر بالباء .كقوله:{وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ}[ الأحزاب: 25] ،وكقوله:{أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ} [ الزمر: 36] الآية ، وقوله:{فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ} [ البقرة: 137] الآية ،ونحو ذلك من الآيات .
وتستعمل لازمة ،ويطر ،جر فاعلها بالباء المزيدة لتوكيد الكفاية ؛كقَوْله في هذه الآية الكريمة{كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا} [ الإسراء:14] ،وقوله تعالى:{وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلاً} [ الأحزاب: 3و48] ،وقوله:{وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيباً} [ النساء:6] ونحو ذلك .
ويكثر إتيان التمييز بعد فاعلها المجرور بالباء .وزعم بعض علماء العربية: أن جر فاعلها بالباء لازم .والحق أنه يجوز عدم جره بها ،ومنه قول الشاعر:
عميرة ودع إن تجهزت غاديا ***كفى الشيب والإسلام للمرء ناهيا
وقول الآخر:
ويخبرني عن غائب المرء هديه*** كفى الهدى عما غيب المرء مخبرا
وعلى قراءة من قرأ{يَلْقَاهُ} بضم الياء وتشديد القاف مبنياً للمفعولفالمعنى: أن الله يلقيه ذلك الكتاب يوم القيامة ؛فحذف الفاعل فبني الفعل للمفعول .
وقراءة من قرأ{يَخْرُجُ} بفتح الياء وضم الراء مضارع خرج مبنياً للفاعلفالفاعل ضمير يعود إلى الطائر بمعنى العمل وقوله{كِتَاباً} حال من ضمير الفاعل ؛أي ويوم القيامة يخرج هو أي العمل المعبر عنه بالطائر في حال كونه كتاباً يلقاه منشوراً .وكذلك على قراءة{يُخْرُجُ} بضم الياء وفتح الراء مبنياً للمفعول ،فالمضير النائب عن الفاعل راجع أيضاً إلى الطائر الذي هو العمل .أي يخرج له هو أي طائره بمعنى عمله ،في حال كونه كتاباً .
وعلى قراءة «يخرج » بضم الياء وكسر الراء مبنياً للفاعل ،فالفاعل ضمير يعود إلى الله تعالى ،وقوله{كِتَاباً} مفعول به ؛أي ويوم القيامة يخرج هو أي الله له كتاباً يلقاه منشوراً .
وعلى قراءة الجمهور منهم السبعةفالنون في{نُخْرِجُ} نون العظمة لمطابقة قوله{أَلْزَمْنَاهُ} و{كِتَاباً} مفعول به لنخرج كما هو واضح .والعلم عند الله تعالى .