قوله تعالى:{أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُم مَّا في الاٌّرْضِ وَالْفُلْكَ تَجْرِى في الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ} .
ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة: أن الله سخر لخلقه ما في الأرض ،وسخر لهم السفن تجري في البحر بأمره ،وهذا الذي ذكره هنا جاء موضحاً في مواضع كثيرة كقوله:{وَسَخَّرَ لَكُمْ مَّا في السَّمَاوَاتِ وَمَا في الاٌّرْضِ جَمِيعاً مِّنْهُ} [ الجاثية: 13] وقد بينا معنى تسخير ما في السماء بإيضاح في سورة الحجر في الكلام على قوله تعالى:{وَحَفِظْنَاهَا مِن كُلِّ شَيْطَانٍ رَّجِيمٍ} [ الحجر: 17] وكقوله:{وَءَايَةٌ لَّهُمْ أَنَّا حَمَلْنَا ذُرِّيَّتَهُمْ في الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ * وَخَلَقْنَا لَهُمْ مِّن مِّثْلِهِ مَا يَرْكَبُونَ} [ يس: 41-42] وقد أوضحنا الآيات الدالة على هذا في سورة النحل وغيرها .
قوله تعالى:{وَيُمْسِكُ السَّمَآءَ أَن تَقَعَ عَلَى الاٌّرْضِ إِلاَّ بِإِذْنِهِ} .
ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة: أنه هو الذي يمسك السماء ويمنعها من أن تقع على الأرض ،فتهلك من فيها ،وأنه لو شاء لأذن للسماء فسقطت على الأرض فأهلكت من عليها ،كما قال:{إِن نَّشَأْ نَخْسِفْ بِهِمُ الاٌّرْضَ أَوْ نُسْقِطْ عَلَيْهِمْ كِسَفاً مِّنَ السَّمَآءِ} [ سبأ: 9] .وقد أشار لهذا المعنى في غير هذا الموضع كقوله تعالى:{إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالاٌّرْضَ أَن تَزُولاَ وَلَئِن زَالَتَآ إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِّن بَعْدِهِ} [ فاطر: 41] ،وكقوله:{وَلَقَدْ خَلَقْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعَ طَرَآئِقَ وَمَا كُنَّا عَنِ الْخَلْقِ غَافِلِينَ} [ المؤمنون: 17] على قول من فسرها: بأنه غير غافل عن الخلق بل حافظ لهم من سقوط السماوات المعبر عنها بالطرائق عليهم .
تنبيه
هذه الآيات المذكورة وأمثالها في القرآن كقوله:{وَيُمْسِكُ السَّمَآءَ أَن تَقَعَ عَلَى الاٌّرْضِ} وقوله:{إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالاٌّرْضَ أَن تَزُولاَ وَلَئِن زَالَتَآ إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِّن بَعْدِهِ} [ فاطر: 41] وقوله:{إِن نَّشَأْ نَخْسِفْ بِهِمُ الاٌّرْضَ أَوْ نُسْقِطْ عَلَيْهِمْ كِسَفاً مِّنَ السَّمَآءِ} [ سبأ: 9] وقوله:{وَبَنَيْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعاً شِدَاداً} [ النبأ: 12] ،وقوله:{وَالسَّمَآءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ} [ الذاريات: 47] ،وقوله تعالى:{وَجَعَلْنَا السَّمَآءَ سَقْفاً مَّحْفُوظاً} [ الأنبياء: 32] ،ونحو ذلك من الآيات ،يدل دلالة واضحة ،على أن ما يزعمه ملاحدة الكفرة ،ومن قلدهم من مطموسي البصائر ممن يدعون الإسلام أن السماء فضاء لا جرم مبنى ،أنه كفر وإلحاد وزندقة ،وتكذيب لنصوص القرآن العظيم ،والعلم عند الله تعالى .
وقوله في هذه الآية الكريمة{إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَّحِيمٌ} [ البقرة: 143] أي ومن رأفته ورحمته بخلقه: أنه أمسك السماء عنهم ،ولم يسقطها عليهم .