قوله تعالى:{وَمِنَ النَّاسِ مَن يِقُولُ ءَامَنَّا بِاللَّهِ فَإِذَآ أُوذِىَ في اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ} .
يعني أن من الناس من يقول:{بِاللَّهِ} بلسانه ،{فَإِذَا أُوذِىَ في اللَّهِ} ،أي: آذاه الكفار إيذاءهم للمسلمين جعل فتنة الناس صارفة له عن الدين إلى الرّدة ،والعياذ باللَّه ؛كعذاب اللَّه فإنه صارف رادع عن الكفر والمعاصي .ومعنى{فِتْنَةَ النَّاسِ} ،الأذى الذي يصيبه من الكفار ،وإيذاء الكفار للمؤمنين من أنواع الابتلاء الذي هو الفتنة ،وهذا قال به غير واحد .
وعليه فمعنى الآية الكريمة كقوله تعالى:{وَمِنَ النَّاسِ مَن يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدنيا والآخرة ذلكَ هو الخسران المبين} [ الحج: 11] .
قوله تعالى:{وَلَئِنْ جَآءَ نَصْرٌ مِّن رَّبِّكَ لَيَقُولُنَّ إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ} .
ذكر جلَّ وعلا في هذه الآية الكريمة: أن المنافقين الذين يقولون: آمنّا بألسنتهم ولم تؤمن قلوبهم ،إذا حصل للمسلمين من الكفار أذى ،وهم معهم جعلوا فتنة للناس ،أي: أذاهم كعذاب اللَّه ،وأنه إن جاء نصر من اللَّه لعباده المؤمنين فنصرهم على الكفار ،وهزموهم وغنموا منهم الغنائم ،قال أولئك المنافقون: ألم نكن معكم ،يعنون: أنهم مع المؤمنين ومن جملتهم ،يريدون أخذنصيبهم من الغنائم .
وهذا المعنى جاء في آيات أُخر من كتاب اللَّه كقوله تعالى:{الَّذِينَ يَتَرَبَّصُونَ بِكُمْ فَإِن كَانَ لَكُمْ فَتْحٌ مّنَ اللَّهِ قَالُواْ أَلَمْ نَكُنْ مَّعَكُمْ وَإِن كَانَ لِلْكَافِرِينَ نَصِيبٌ قَالُواْ أَلَمْ قَالُوا أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ وَإِنْ كَانَ لِلْكَافِرِينَ نَصِيبٌ قَالُوا أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ وَنَمْنَعْكُمْ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [ النساء: 141] ،وقوله تعالى:{وَإِنَّ مِنْكُمْ لَمَن لَّيُبَطّئَنَّ فَإِنْ أَصَابَتْكُمْ مُّصِيبَةٌ قَالَ قَدْ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَىَّ إِذْ لَمْ أَكُنْ مَّعَهُمْ شَهِيداً * وَلَئِنْ أَصَابَكُمْ فَضْلٌ مِنَ الله لَيَقُولَنَّ كَأَن لَّمْ تَكُنْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ مَوَدَّةٌ يا لَيتَنِي كُنتُ مَعَهُمْ فَأَفُوزَ فَوْزاً عَظِيماً}[ النساء: 72-73] ،وقد قدّمنا طرفًا من هذا في سورة «النساء » .
وقد بيَّن تعالى أنهم كاذبون في قولهم:{إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ} ،وبيَّن أنه عالم بما تخفى صدورهم من الكفار والنفاق ،بقوله:{أَوَ لَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِمَا في صُدُورِ الْعَالَمِينَ} .