التّفسير
شركاء في الانتصار أمّا في الشدّة فلا !
حيث أنّ الآيات المتقدمة تحدثت عن المؤمنين الصالحين والمشركين بشكل صريح ،ففي الآيات الأُولى من هذا المقطع يقع الكلام على الفريق الثّالث أي المنافقينفيقول القرآن فيهم: ( ومن الناس من يقول آمنا بالله فإذا أوذي في الله جعل فتنة الناس كعذاب الله ) فلا يصبرون على الأذى والشدائد ،ويحسبون تعذيب المشركين لهم وأذى الناس أنّه عذاب من الله ( ولئن جاء نصر من ربّك ليقولن إنّا كنّا معكم ) فنحن معكم في هذا الافتخار والفتح .
ترى هل يظنون أن الله خفيّ عليه ما في أعماق قلوبهم فلا يعرف نياتهم ( أو ليس الله بأعلم بما في صدور العالمين ) .
ولعل التعبير ب «آمنا » بصيغة الجمع ،مع أنّ الجملة التي تليه جاءت بصيغة المفرد ،هو من جهة أنّ هؤلاء المنافقين يريدون أن يقحموا أنفسهم في صف المؤمنين ،فلذلك يقولون «آمنا » أي آمنا كسائر الناس الذين آمنوا .
والتعبير ب( أوذي في الله ) معناه أوذي في سبيل الله ،أي إنّهم قد يتعرض لهم العدوّأحياناوهم في سبيل الله والإيمان فيؤذيهم .
الطريف هنا أنّ القرآن يعبر عن مُجازاة الله ب «العذاب » وعن إيذاء الناسب «الفتنة » وهذا التعبير إشارة إلى أنّ إيذاء الناس ليس عذاباًفي حقيقة الأمربل هو امتحان وطريق إلى التكامل .
وبهذا فإنّ القرآن يعلمهم أن لا يقايسوا بين هذين النوعين «العذاب » و«الإيذاء » ولا ينبغي أن يتنصّلوا من «الإيمان » بحجّة أن المشركين والمخالفين يؤذيهم فإن هذا الإيذاء جزء من منهج الامتحان الكلي في هذه الدنيا .
وهنا ينقدح سؤالٌ وهو: أي نصر جعله الله حليف المسلمين ونصيبهم ،ليدعي المنافقون أنّهم شركاء في هذا النصر مع المسلمين ؟!
ونقول في الجواب: إنّ الجملة الآنفة الذكر جاءت بصيغة «الشرط » ونعلم أنّ الجملة الشرطية لا دليل فيها على وجود الشرط ،بل مفهومها هو أنّه لو اتفق أن كان النصر حليفكم في المستقبل ،فإنّ هؤلاء المنافقينضعاف الإيمانيرون أنفسهم شركاء في هذا النصر !
إضافة إلى كل ذلك فإنّ المسلمين في مكّة كانت لهم انتصارات على المشركين غير عسكرية بل انتصارات في التبليغ و «الإعلام » ونفوذ في الأفكار العامة وتوغّل الإسلام في طبقات المجتمع ...
ثمّ بعد هذا كله فإنّ التعبير بالإيذاء مناسب لمحيط مكّة ...وإلاّ فقلّ أن اتفق مثل هذا الإيذاء في محيط المدينة .
وقد تنوّر واتضحضمناًهذا الموضوع الدقيق ،وهو أن التعبير بالمنافقلا يختص بمن ليس في قلبه إيمان إطلاقا ويدعي الإيمان ،بل حتى الأفراد من ضعاف الإيمان الذين يتراجعون عن عقيداتهم نتيجة الضغوط والتأثير بفلان وفلان فهؤلاء أيضاً يُعدون من المنافقين ..والآية محل البحثكما يظهرتتحدث عن هذا النوع من المنافقين ،وتصرح بأنّ الله مطلع على نيّاتهم وعليم بسرائرهم .
/خ13