قوله تعالى:{يا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ مَا يَأْتِيهِمْ مِّن رَّسُولٍ إِلاَّ كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِءُونَ} .
بيَّن جلَّ وعلا أن العباد ما يأتيهم من رسول إلاّ كانوا به يستهزءون غير مكتفين بتكذيبه ،بل جامعين معه الاستهزاء .
وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة:{مَا يَأْتِيهِمْ مّن رَّسُولٍ} ،نصّ صريح في تكذيب الأُمم لجميع الرسل لما تقرّر في الأصول ،من أن النكرة في سياق النفي إذا زيدت قبلها{مِنْ} ،فهي نص صريح في عموم النفي ،كما هو معروف في محلّه .
وهذا العموم الذي دلَّت عليه هذه الآية الكريمة جاء موضحًا في آيات أُخر ،وجاء في بعض الآيات إخراج أُمّة واحدة عن حكم هذا العموم بمخصّص متّصل ،وهو الاستثناء .
فمن الآيات الموضحة لهذا العموم ،قوله تعالى:{وَمَا أَرْسَلْنَا في قَرْيَةٍ مّن نَّذِيرٍ إِلاَّ قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ} [ سبأ: 34] ،وقوله تعالى:{وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ في قَرْيَةٍ مّن نَّذِيرٍ إِلاَّ قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثارهم مقتدون} [ الزخرف: 23] ،وقوله تعالى:{وَمَا أَرْسَلْنَا في قَرْيَةٍ مّن نَّبِىٍّ إِلا أَخَذْنَا أَهْلَهَا بِالْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء} ،إلى قوله:{فَأَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ} [ الأعراف: 94-95] .
وقد قدّمنا الكلام على هذا في سورة «قد أفلح المؤمنون » ،في الكلام على قوله تعالى:{ثُمَّ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا تَتْرَى كُلَّ مَا جَاء أُمَّةً رَّسُولُهَا كَذَّبُوهُ} [ المؤمنون: 44] الآية .
وقدّمنا طرفًا من الكلام عليه في سورة «الأنعام » ،في الكلام على قوله تعالى:{وَكَذالِكَ جَعَلْنَا فِي كُلّ قَرْيَةٍ أَكَابِرَ مُجْرِمِيهَا} [ الأنعام: 123] الآية .
وأمّا الأُمَّة التي أُخرجت من هذا العموم فهي أُمة يونس ،والآية التي بيّنت ذلك هي قوله تعالى:{فَلَوْلاَ كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا إِلاَّ قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُواْ كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الخِزْي في الحياة الدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إلى حين} [ يونس: 98] ،وقوله تعالى:{وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى مِاْئَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَفَآمَنُواْ فَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ} [ الصافات: 147-148] ،والحسرة أشدّ الندامة ،وهو منصوب على أنه منادى عامل في المجرور بعده ،فأشبه المنادى المضاف .
والمعنى:{يا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ} !تعالي واحضري فإن الاستهزاء بالرسل هو أعظم الموجبات لحضورك .