قوله تعالى:{وَالَّذِينَ اتَّخَذُواْ مِن دُونِهِ أَوْلِيَآءَ اللَّهُ حَفِيظٌ عَلَيْهِمْ وَمَآ أَنتَ عَلَيْهِم بِوَكِيلٍ} .
قوله تعالى في هذه الآية الكريمة ،{اتَّخَذُواْ مِن دُونِهِ أَوْلِيَآءَ} أي أشركوا معه شركاء يعبدونهم من دونه ،كما أوضح تعالى ذلك في قوله:{وَالَّذِينَ اتَّخَذُواْ مِن دُونِهِ أَوْلِيَآءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونَآ إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ في مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لاَ يَهْدِى مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ} [ الزمر: 3] وقوله تعالى:{وَالَّذِينَ كَفَرُواْ أولياؤهم الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُم مِّنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [ البقرة: 257] وقوله تعالى:{إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَآءَ مِن دُونِ اللَّهِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُم مُّهْتَدُونَ} [ الأعراف: 30] وقوله تعالى:{إِنَّمَا ذالِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ} [ آل عمران: 175] أي يخوفكم أولياءه .وقوله تعالى:{فَقَاتِلُواْ أَوْلِيَاءَ الشَّيْطَانِ} [ النساء: 76] الآية .
وقد وبخهم تعالى على اتخاذهم الشيطان وذريته أولياء من دونه تعالى في قوله:{أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَآءَ مِن دوني وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلاً} [ الكهف: 50] .
وقد أمر جل وعلا باتباع هذا القرآن العظيم ،ناهياً عن اتباع الأولياء المتخذين من دونه تعالى ،في أول سورة الأعراف في قوله تعالى{اتَّبِعُواْ مَآ أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ وَلاَ تَتَّبِعُواْ مِن دُونِهِ أَوْلِيَآءَ قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ} [ الأعراف: 3] .
وقد علمت من الآيات المذكورة أن أولياء الكفار الذين اتخذوهم وعبدوهم من دون الله نوعان: الأول منهما: الشياطين ،ومعنى عبادتهم للشيطان طاعتهم له فيما يزين لهم ،من الكفر والمعاصي ،فشركهم به شرك طاعة ،والآيات الدالة على عبادتهم للشياطين بالمعنى المذكور كثيرة كقوله تعالى:{أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يا بَنِى ءَادَمَ أَن لاَّ تَعْبُدُواْ الشَّيطَانَ} [ يس: 60] الآية .وقوله تعالى عن إبراهيم{الشَّيْطَانَ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ} [ مريم: 44] الآية .وقوله تعالى:{إِن يَدْعُونَ مِن دُونِهِ إِلاَّ إِنَاثاً وَإِن يَدْعُونَ إِلاَّ شَيْطَاناً مَّرِيداً} [ النساء: 117] أي وما يعبدون إلا شيطاناً مريداً .وقوله تعالى{قَالُواْ سُبْحَانَكَ أَنتَ وَلِيُّنَا مِن دُونِهِمْ بَلْ كَانُواْ يَعْبُدُونَ الْجِنَّ أَكْثَرُهُم بِهِم مُّؤْمِنُونَ} [ سبأ: 41] وقوله تعالى{إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُم بِهِ مُشْرِكُونَ} [ النحل: 100] وقوله تعالى{وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أوليائهم لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ} [ الأنعام: 121] إلى غير ذلك من الآيات .
والنوع الثاني: هو الأوثان ،كما بين ذلك تعالى بقوله:{مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ ليقربونا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى} [ الزمر: 3] الآية .
وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة{اللَّهُ حَفِيظٌ عَلَيْهِمْ} .
أي رقيب عليهم حافظ عليهم كل ما يعملونه من الكفر والمعاصي ،وفي أوله اتخاذهم الأولياء ،يعبدونهم من دون الله .
وفي الآية تهديد عظيم لكل مشرك .
وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة:{وَمَآ أَنتَ عَلَيْهِم بِوَكِيلٍ} .
أي لست يا محمد ،بموكل عليهم تهدي من شئت هدايته منهم ،بل إنما أنت نذير فحسب ،وقد بلغت ونصحت .
والوكيل عليهم هو الذي يهدي من يشاء منهم ويضل من يشاء كما قال تعالى:{إِنَّمَآ أَنتَ نَذِيرٌ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شيء وَكِيلٌ} [ هود: 12] .وقال تعالى:{وَلَوْ شَآءَ رَبُّكَ لآمَنَ مَن في الأرض كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَن تُؤْمِنَ إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَجْعَلُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لاَ يَعْقِلُونَ} [ يونس: 99 - 100] وقال تعالى:{وَإِن كَانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْرَاضُهُمْ فَإِن اسْتَطَعْتَ أَن تَبْتَغِىَ نَفَقاً في الأرض أَوْ سُلَّماً في السَّمَآءِ فَتَأْتِيَهُمْ بِآيَةٍ وَلَوْ شَآءَ اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَى فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْجَاهِلِينَ} [ الأنعام: 35] والآيات بمثل ذلك كثيرة .
وبما ذكرنا تعلم أن التحقيق في قوله تعالى:{وَمَآ أَنتَ عَلَيْهِم بِوَكِيلٍ} ،وما جرى مجراه من الآيات ليس منسوخاً بآية السيف والعلم عند الله تعالى .