قوله تعالى:{يا أهل الكتاب قد جاءكم رسولنا يبين لكم كثيرا مما كنتم تخفون من الكتاب} الآية .
لم يبين هنا شيئاً من ذلك الكثير الذي يبينه لهم الرسول الله صلى الله عليه وسلم مما كانوا يخفون من الكتاب ،يعني التوراة والإنجيل ،وبين كثيراً منه في مواضع أخر .
فمما كانوا يخفون من أحكام التوراة رجم الزاني المحصن ،وبينه القرآن في قوله تعالى:{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُواْ نَصِيبًا مِّنَ الْكِتَابِ يُدْعَوْنَ إِلَى كِتَابِ اللَّهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِّنْهُمْ وَهُم مُّعْرِضُونَ} [ آل عمران: 23] .
يعني يدعون إلى التوراة ليحكم بينهم في حد الزاني المحصن بالرجم ،وهم معرضون عن ذلك منكرون له ،ومن ذلك ،ما أخفوه من صفات الرسول الله صلى الله عليه وسلم في كتابهم ،وإنكارهم أنهم يعرفون أنه هو الرسول ،كما بينه تعالى بقوله:{وَكَانُواْ مِن قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُواْ فَلَمَّا جَآءَهُم مَّا عَرَفُواْ كَفَرُواْ بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ} [ البقرة: 89] .
ومن ذلك إنكارهم أن الله حرم عليهم بعض الطيبات بسبب ظلمهم ومعاصيهم ،كما قال تعالى:{فَبِظُلْمٍ مِّنَ الَّذِينَ هَادُواْ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ} [ النساء: 160] ،وقوله:{وَعَلَى الَّذِينَ هَادُواْ حَرَّمْنَا كُلَّ ذي ظُفُرٍ وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُمَآ إِلاَّ مَا حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَآ أَوِ الْحَوَايَآ أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ ذلِكَ جَزَيْنَاهُم بِبَغْيِهِمْ وِإِنَّا لَصَادِقُونَ}[ الأنعام: 146] .
فإنهم أنكروا هذا ،وقالوا لم يحرم علينا إلا ما كان محرماً على إسرائيل ،فكذبهم القرآن في ذلك في قوله تعالى:{كُلُّ الطَّعَامِ كَانَ حِلاًّ لِّبَنِى إسرائيل إِلاَّ مَا حَرَّمَ إسرائيل عَلَى نَفْسِهِ مِن قَبْلِ أَن تُنَزَّلَ التَّوْرَاةُ قُلْ فَأْتُواْ بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ} [ آل عمران: 93] .
ومن ذلك كتم النصارى بشارة عيسى ابن مريم لهم بمحمد صلى الله عليه وسلم ،وقد بينها تعالى بقوله:{وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يا بَنِى إسرائيل إني رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُم مُّصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يديّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يأتي مِن بَعْدِى اسْمُهُ أَحْمَدُ} [ الصف: 6] إلى غير ذلك من الآيات المبينة لما أخفوه من كتبهم .