وبيَّن تعالى في موضع آخر أن سبب حلفهم بالكذب للمسلمين ،أنهم منهم ،إنما هو الفرق أي الخوف ،وأنهم لو وجدوا محلاً يستترون فيه عن المسلمين لسارعوا إليه ،لشدة بغضهم للمسلمين ،وهو قوله:{وَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنَّهُمْ لَمِنكُمْ وَمَا هُم مِّنكُمْ وَلَكِنَّهُمْ قَوْمٌ يَفْرَقُونَ لَوْ يَجِدُونَ مَلْجَئاً أَوْ مَغَارَاتٍ أَوْ مُدَّخَلاً لَّوَلَّوْاْ إِلَيْهِ ْ وَهُمْ يَجْمَحُونَ} [ التوبة: 56 -57] ففي هذه الآية بيان سبب أيمان المنافقين ،ونظيرها قوله:{اتَّخَذْواْ أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً} [ المجادلة: 16] .
وبين تعالى في موضع آخر ،أنهم يحلفون تلك الأَيمان ليرضى عنهم المؤمنون ،وأنهم إن رضوا عنهم ،فإن الله لا يرضى عنهم ،وهو قوله:{يَحْلِفُونَ لَكُمْ لِتَرْضَوْاْ عَنْهُمْ فَإِن تَرْضَوْاْ عَنْهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لاَ يَرْضَى عَنِ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ} [ التوبة: 96] .
وبين في موضع آخر: أنهم يريدون بأيمانهم إرضاء المؤمنين ،وإن الله ورسوله أحق بالإرضاء ،وهو قوله:{يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ لِيُرْضُوكُمْ وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَن يُرْضُوهُ إِن كَانُواْ مُؤْمِنِينَ} [ التوبة: 62] .
وبين في موضع آخر أنهم يحلفون لهم ليرضوا عنهم ،بسبب أن لهم عذراً صحيحاً ،وأن الله أمرهم بالإعراض عنهم ،لا لأن لهم عذراً صحيحاً ،بل مع الإعلام بأنهم رجس ،ومأواهم النار بسبب ما كسبوا من النفاق ،وهو قوله:{سَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ إِذَا انْقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ لِتُعْرِضُواْ عَنْهُمْ فَأَعْرِضُواْ عَنْهُمْ إِنَّهُمْ رِجْسٌ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ جَزَآءً بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ} [ التوبة: 95] الآية .
وبيَّن في موضع آخر .أن أيمانهم الكاذبة سبب لإهلاكهم أنفسهم وهو قوله:{وَسَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَوِ اسْتَطَعْنَا لَخَرَجْنَا مَعَكُمْ يُهْلِكُونَ أَنفُسَهُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ} [ التوبة: 52] الآية .
وهذه الأسباب لحلف المنافقين التي ذكرت في هذه الآيات راجعة جميعاً إلى السبب الأول ،الذي هو الخوف ؛لأن خوفهم مِن المؤمنين هو سبب رغبتهم في إرضائهم ،وإعراضهم عنهم بأن لا يؤذوهم ،ولذا حلفوا لهم ،ليرضوهم ،وليعرضوا عنهم ،خوفاً من أذاهم ،كما هو ظاهر .
تنبيه
قوله في هذه الآية الكريمة:{وَيَقُولُ الَّذِينَ ءَامَنُواْ أَهُؤُلاءِ الَّذِينَ أَقْسَمُواْ} فيه ثلاث قراءات سبعيات .
الأولى:{يِقُولُ}: بلا واو مع الرفع ،وبها قرأ نافع ،وابن كثير ،وابن عامر .
الثانية:{وَيَقُولُ} بإثبات الواو مع رفع الفعل أيضاً ،وبها قرأ عاصم ،وحمزة ،والكسائي .
الثالثة: بإثبات الواو ،ونصب{يِقُولُ} عطفاً على{أَن يأتي بِالْفَتْحِ} [ المائدة: 52] وبها قرأ أبو عمرو .