قوله تعالى:{يا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يأتي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ} الآية .
أَخبَر تعالى المؤمنين في هذه الآية الكريمة أنهم إن ارتد بعضهم فإن الله يأتي عوضاً عن ذلك المرتد بقوم من صفاتهم الذل للمؤمنين ،والتواضع لهم ولين الجانب ،والقسوة والشدة على الكافرين ،وهذا من كمال صفات المؤمنين ،وبهذا أمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم ،فأمره بلين الجانب للمؤمنين ،بقوله:{وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ} [ الحجر: 88] ،وقوله:{وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [ الشعراء: 215] ،وأمَره بالقسوة على غيرهم بقوله:{يا أَيُّهَا النبي جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ} [ التوبة: 73] ،وأثنى تعالى على نبيه باللين للمؤمنين في قوله:{فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنْفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ} [ آل عمران: 159] الآية وصرح بأن ذلك المذكور من اللين للمؤمنين ،والشدة على الكافرين ،من صفات الرسول صلى الله عليه وسلم ،وأصحابه رضي الله عنهم ،بقوله:{مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّآءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَآءُ بَيْنَهُمْ} .
وقد قال الشاعر في رسول الله صلى الله عليه وسلم:
وما حملت من ناقة فوق رحلها *** أبر وأوفى ذمة من محمد
وأعطى إذا ما طالب العرف جاءه *** وأمضى بحد المشرفي المهند
وقال الآخر فيه:
وما حملت من ناقةٍ فوق رحلها *** أشد على أعدائه مِن محمد
ويفهم من هذه الآيات أن المؤمن يجب عليه أن لا يلين إلا في الوقت المناسب للين ،وألا يشتد إلا في الوقت المناسب للشدة ،لأن اللين في محل الشدة ضعف ،وخور ،والشدة في محل اللين حمق ،وخرق ،وقد قال أبو الطيِّب المتنبيّ:
إذا قيل حلم قل فللحلم موضع *** وحلم الفتى في غير موضعه جَهل