هذه الآيات من تتمة السياق السابق ، فلما كان من يتولى الكافرون من دون المؤمنين يعد منهم .كان أولئك الذين يسارعون فيهم من مرضى القلوب مرتدين بتوليتهم إياهم .فإن أخفوا ذلك فإظهارهم للإيمان نفاق .ولما بين الله حالهم ، أراد أن يبين حقيقة يدعمها بخبر من الغيب يظهره الزمن المستقبل ، وهي أن المنافقين ومرضى القلوب لا غناء فيهم ، ولا يعتد بهم في نصر الدين وإقامة الحق ، وإنما يقيم الله الدين ويؤيده بالمؤمنين الصادقين ، الذين يحبهم الله فيزيدهم رسوخا في الحق وقوة على إقامته ، ويحبونه فيؤثرون ما يحبه من إقامة الحق والعدل .وإتمام حكمته في الأرض ، على سائر محبوباتهم ، من مال ومتاع وأهل وولد .هذه هي الحقيقة .أما خبر الغيب فهو أنه سيرتد بعض الذين آمنوا عن الإسلام جهرا فلا يضره ذلك ، لأن الله تعالى يسخر له من ينصره ويجاهد لحفظه ، فقال:
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لآئِمٍ} قرأ ابن عامر ونافع ( يرتدد ) بدالين والباقون يرتد بدال واحدة مشددة وهما لغتان .فلغة إظهار الدالين هي الأصل ، ولغة الإدغام تشديد يراد به التخفيف .والمعنى أن من يرتد منكم يا جماعة الذين دخلوا في أهل الإيمان عن دينه لعدم لرسوخه ، فسوف يأتي الله مكانهم أو بدلا منهم بقوم راسخين في الإيمان يحبهم ويحبونه الخ ما ذكره من صات المؤمنين الصادقين .
أخرج رواة التفسير المأثور عن قتادة ، واللفظ لابن جرير – أنه قال:انزل الله هذه الآية وقد علم أنه سيرتد مرتدون من الناس .فلما قبض الله نبيه محمد صلى الله عليه وآله وسلم ارتد عامة العرب عن الإسلام إلا ثلاثة مساجد – أهل المدينة وأهل مكة وأهل البحرين من عبد القيس – قالوا ( أي المرتدون ) نصلي ولا نزكي ، والله لا تغضب أموالنا .فكلم أبو بكر في ذلك فقيل له:إنهملو قد فقهوا لهذا أعطوها وزادوها .فقال:لا والله ، لا أفرق بين شيء جمع الله بينه .ولو منعوا عقالا مما فرض الله ورسوله لقاتلناهم عليه .فبعث الله عصابة مع أبي بكر فقاتل على ما قاتل عليه نبي الله صلى الله عليه وآله وسلم حتى سبى وقتل وحرق بالنيران أناسا ارتدوا عن الإسلام ومنعوا الزكاة .فقاتلهم حتى أقروا بالماعون – وهي الزكاة – صغرة أقمياء{[772]} فأتته وفود العرب فخيرهم بين خطة مخزية ، أو حرب مجلية{[773]} ، فاختاروا الخطة المخزية ، وكانت أهون عليهم أن يستعدوا أن قتلاهم في النار ، وأن قتلى المؤمنين في الجنة ، وأن ما أصابوا من المسلمين من مال ردوه عليهم ، وما أصاب المسلمون لهم من مال فهو لهم حلال .
فالقوم الذين يحبهم الله ويحبونه على هذا هم أبو بكر وأصحابه الذين قاتلوا أهل الردة .ونقل المفسرون هذا القول عن علي المرتضى والحسن وقتادة والضحاك .ورووا عن السدي أنه قال:إنهم الأنصار لأنهم هم الذين نصروا النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، وقيل هم الفرس لحديث ورد في مناقب سلمان أنهم قومه ، ولكنه ضعيف .وقيل نزلت في علي كرم الله وجهه ، لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وعد في خيبر بأن يعطي الراية غدا رجلا يحبه الله ، ثم أعطاها عليا .وليس هذا بدليل ، ولفظ القوم لا يجري على الواحد لأنه نص في الجماعة .وغلاة الرافضة يزعمون أن الذين ارتدوا عن دينهم هم أبو بكر ومن شايعه من الصحابة وهم السواد الأعظم فقلبوا الموضوع .ولكن عليا كان مع أبي بكر لا عليه ولم يقاتله .هذه دسيسة من زنادقة الفرس وساستهم الذين كانوا يريدون الانتقام من أبي بكر وعمر لفتحهما بلادهم .وإزالتهما لملكهم .وخيار مسلمى الفرس نصروا الإسلام فيدخلون في عموم الآية إذا جعلت لعموم من تتحقق فيهم تلك الصفات .
وروى أهل التفسير المأثور حديثا مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال في القوم الذين يحبهم الله ويحبونه أنهم قوم أبي موسى الأشعري .وروي عن بعضهم أنهم من أهل اليمن على الإطلاق ، والأشعريون من أهل اليمن .وفي رواية هم أهل سبأ .وفي حديث أخر ( هؤلاء قوم من أهل اليمن من كندة ثم من السكون ثم التجيب ) .
وقد رجح ابن جرير أن الآية نزلت في قوم أبي موسى من أهل اليمن للحديث في ذلك ، وإن لم يكونوا قاتلوا المرتدين مع أبي بكر .قال إن الله تعالى وعد بأن يأتي بخير من المرتدين بدلا منهم ولم يقل أنهم يقاتلون المرتدين .ورأى أنه يكفي في صدق الوعد أن يقاتلوا ولو غير المرتدين ، وأن مجيء الأشعريين على عهد عمر كان موقعه من الإسلام أحسن موقع .ولقائل أن يقول:إن الآية تصدق في كل من اتصف بمضمونها ، ومن أشار إليهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم ومن قاتلوا المرتدين هم أهلها بالأولى .
أما الذين ارتدوا في زمن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وبعده فكثيرون وقاتهلم كثيرون فكان كل مفسر يذكر قوما ممن حاربوا المرتدين ويحمل الآية عليهم لمرجح ما .فقد روى أهل السير والتاريخ أنه قد ارتد عن الإسلام إحدى عشرة فرقة ثلاثة في عهد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم .
الأولى:بنو مدلج ورئيسهم ذو الخمار وهو الأسود العنسي .كان كاهنا تنبأ باليمن واستولى على بلاده فأخرج منها عمال النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم ، فكتب عليه الصلاة والسلام إلى معاذ بن جبل وإلى سادات اليمن ، فأهلكه الله تعالى على يدي فيروز الديلمي ، بيته فقتله ، وأخبر رسول صلى الله تعالى عليه وآله وسلم بقتله ليلة قتل ، فسرّ به المسلمون ، وقبض عليه الصلاة والسلام من الغد ، وأتى خبره في شهر ربيع الأول .
الثانية:بنو حنيفة قوم مسيلمة الكذاب ابن حبيب .تنبأ وكتب إلى رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم:من مسيلمة رسول الله إلى محمد رسول الله ، سلام عليك .أما بعد فإني قد أشركت في الأمر معك ، وإن لنا نصف الأرض ولقريش نصف الأرض ، ولكن قريشا قوم يعتدون .فقدم على النبي عليه الصلاة والسلام رسولان له بذلك ، فحين قرأ صلى الله تعالى عليه وسلم كتابه قال لهما:( فما تقولان أنتما ) ؟ قالا نقول كما قال:فقال صلى الله تعالى عليه وآله وسلم ( أما والله لولا أن الرسل لا تقتل لضربت أعناقكما ) ثم كتب إليه ( بسم الله الرحمن الرحيم .من محمد رسول الله إلى مسيلمة الكذاب .السلام على من اتبع الهدى ، أما بعد فإن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين ) وكان ذلك في سنة عشر ، فحاربه أبو بكر رضي الله تعالى عنه بجنود المسلمين ، وقتل على يدي وحشى قاتل حمزة رضي الله عنه وكان يقول:قتلت في جاهليتي خير الناس وفي إسلامي شر الناس .وقيل اشترك في قتله هو وعبد الله بن زيد الأنصاري طعنه وحشي ، وضربه عبد الله بسيفه ، وهو القائل في أبيات:
يسائلني الناس عن قتله *** فقلت:ضربت .وهذا طعَنْ
الثالثة:بنو أسد قوم طليحة بن خويلد ، تنبأ فبعث أبو بكر رضي الله عنه إليه خالدا بن الوليد ، فانهزم بعد القتال إلى الشام فأسلم وحسن إسلامه .
وارتدت سبع فرق في عهد أبي بكر:1 فزارة قوم عيينه بن حصين .2– غطفان قوم قرة بن سلمة القشيري .3– بنو سليم قوم الفجاءة بن عبد ياليل .4– بنو يربوع قوم مالك بن نويرة .5– بعض بني تميم قوم سجاح بنت المنذر الكاهنة .تنبأت وزوجت نفسها مسيلمة في قصة شهيرة وصح أنها أسلمت بعد ذلك وحسن إسلامها .6– كندة قوم الأشعت بن قيس .7– بنو بكر بن وائل بالبحرين قوم الحطم بن زيد .وكفى الله تعالى أمرهم على يدي أبي بكر رضي الله تعالى عنه .
وارتدت فرقة واحدة في عهد عمر رضي الله تعالى عنه وهم غسان قوم جبلة بن الأيهم ، تنصر ولحق بالشام ومات على ردته وقيل إنه أسلم .ويروى أن عمر رضي الله عنه كتب إلى أحبار الشام لما لحق بهم كتابا فيه:إن جبلة ورد إليّ في سراة قومه فأسلم فأكرمته ، ثم سار إلى مكة فطاف فوطئ إزاره رجل من بني فزارة فلطمه جبلة فهشم أنفه وكسر ثناياه ، وفي رواية قلع عينيه ، فاستعدى الفزاري على جبلة إلي فحكمت إما بالعفو وإما بالقصاص ، فقال اتقتص مني وأنا ملك وهو سوقة ؟ فقلت شملك وإياه الإسلام فما تفضله إلا بالعافية .فسأل جبلة التأخير إلى الغد فلما كان من الليل ركب مع بني عمه ولحق بالشام مرتدا .وروي أنه ندم على ما فعله وأنشد:
تنصرت بعد الحق عارا للطمةٍ *** ولم يك فيها لو صبرتُ لها ضرَرْ
فأدركني منهالجاجُ حميَّةٍ *** فبعْتُ لها العينَ الصحيحةَبالعورْ
فيا ليت أمي لم تلدني وليتني *** صبرت على القول الذي قاله عمرْ
فهؤلاء لم يقاتلهم أحد .وأبو بكر هو الذي قاتل جماهير المرتدين بمن معه من المهاجرين والأنصار ، فهم الذين تصدق عليهم صفات الآية أو بالذات .
وصف الله هؤلاء الكملة من المؤمنين بست صفات:
الأولى:أنه تعالى يحبهم .فالحب من الصفات التي أسندت إلى الله تعالى في كتابه وعلى لسان نبيه صلى الله عليه وآله وسلم فهو تعالى يحب ويبغض كما يليق بشأنه .ولا يشبه حبه حب البشر ، لأنه لا يشبه البشر{ ليس كمثله شيء} [ الشورى:11] وكذلك علمه لا يشبه علم البشر ولا قدرته تشبه قدرتهم .ولا نتأول حبه بالإثابة وحسن الجزاء كما تأولته المعتزلة وكثير من الأشاعرة ، فرارا من التشبيه إلى التنزيه ، إذ لا تنافي بين إثبات الصفات وتنزيه الذات ، وإلا احتجنا إلا تأويل العلم والقدرة والإرادة ، وهم لا يتأولونها ، ولا يخرجون معانيها عن ظواهر ألفاظها .فمحبته تعالى لمستحقيها من عباده شأمن من شؤونه اللائقة به ، لا نبحث عن كنهها وكيفيتها .وحسن الجزاء من المغفرة والإثابة قد يكون من آثارها ، قال تعالى:{ قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم} [ آل عمران:31] فجعل اتباع الرسول صلى الله عليه وآله وسلم سببا لمحبة الله تعالى للمتبعين وللمغفرة .فكل من المحبة والمغفرة جزاء مستقل إذ العطف يقتضي المغايرة .
الصفة الثانية:أنهم يحبون الله تعالى .وحب المؤمنين الصادقين لله تعالى ثبت في آيات غير هذه من كتاب الله تعالى كقوله:{ ومن الناس من يتخذ من دون الله أندادا يحبونهم كحب الله والذين آمنوا أشد حبا لله} [ البقرة:165] وقوله تعالى:{ قل إن كان آباؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموال اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها أحب إليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله فتربصوا حتى يأتي الله بأمره} [ التوبة:95] .
وفي حديث أنس المرفوع في الصحيحين ( ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان - أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما ، وأن يحب المرء لا يحبه إلا الله – وأن يكره أن يعود في الكفر بعد إذ أنقذه الله منه كما يكره أن يلقى في النار ){[774]} وحديثه الآخر في الصحيحين أيضا:جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال يا رسول الله متى الساعة ؟ قال:( ما أعددت لها ) ؟ قال:ما أعددت لها كبير صلاة ولا صيام إ أني أحب الله ورسوله .فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:( المرء مع من أحب ) قال أنس ما رأيت المسلمين فرحوا بشيء بعد الإسلام فرحهم بذلك{[775]} .
وقد تأول هذا الحب بعض الناس أيضا فقالوا إن المراد به المواظبة على الطاعة إذ يستحيل أن يحب الإنسان إلا ما يجانسه .ويرد هذا قوله تعالى:{ أحب إليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله} فإنه جعل الجهاد غير الحب وحديث الأعرابي المذكور آنفا ، فإنه فرق بين الحب والعمل ، وجعل عدته للساعة الحب دون كثرة العمل الصالح ، نعم إن الحب يستلزم الطاعة .ويقتضيها بسنة الفطرة ، كما قيل:
تعصى الإله وأنت تظهر حبه *** هذا لعمرك في القياس بديع
لو كان حبك صادقا لأطعته *** إن المحب لمن يحب مطيع
وقد أطال أبو حامد الغزالي في كتاب المحبة من الإحياء في بيان محبة الله لعباده ومحبة عباد له ، والرد على المنكرين المحرومين ، فجاء بما يطمئن به القلب .وتسكن له النفس ، وينثلج به الصدر .وللمحقق ابن القيم كلام في ذلك هو أدق تحريرا ، وأشد على الكتاب والسنة انطباقا ، ولسيرة سلف الأمة موافقة .ولولا أن هذا الجزء من التفسير قد طال جدا لحررت هذه الموضوع هنا وأتيت بخلاصة أقوال النفاة المعترضين ، وصفوة أقوال المثبتين ، ولكننا نرجئ هذا إلى تفسير آية أخرى كآية التوبة ( 9 – 25 ) وقد بينا معنى حب الله من قبل في تفسير{ ومن الناس من يتخذ من دون الله أنداد يحبونهم كحب الله} [ البقرة:165] فحسبك الرجوع إليه الآن ( ج 2 من التفسير ) .
الصفتان الثالثة والرابعة:الذلة على المؤمنين والعزة على الكافرين ، والمروي في تفسيرهما أنهما بمعنى قوله تعالى:{ أشداء على الكفار رحماء بينهم} [ الفتح:29] وقال الزمخشري:( أذلة ) جمع ذليل وأما ( ذلول ) فجمعه ذلل ( ككتب ) .ووجه قوله:( أذلة على المؤمنين ) دون ( أذلة للمؤمنين ) بوجهين أحدهما أن يضمن الذل الحنو والعطف .كأنه قال:عاطفين عليهم على وجه التذلل والتواضع .والثاني أنهم مع شرفهم وعلو طبقتهم وفضلهم على المؤمنين خافضون لهم أجنحتهم .
الصفة الخامسة:الجهاد في سبيل الله .وهو من أخص صفات المؤمنين الصادقين .وأصل الجهاد احتمال الجهد والمشقة .وسبيل الله طريق الحق والخير الموصلة إلى مرضاة الله تعالى .وأعظم الجهاد بذل النفس والمال في قتال أعداء الحق ، وهو أكبر آيات المؤمنين الصادقين ، وأما المنافقون فقد قال الله تعلى فيهم{ لو خرجوا فيكم ما زادوكم إلا خبالا ، ولأوضعوا خلالكم يبغونكم الفتنة} [ التوبة:47] وضعاف الإيمان قد يجاهدون ، ولكن في سبيل منفعتهم دون سبيل الله .فإن رأوا ظفرا وغنيمة ثبتوا ، وإن رأوا شدة وخسارة انهزموا .وهل المراد بهذا الجهاد هنا قتال المرتدين أم هو على إطلاقه ؟ الظاهر الثاني ولكنه يتناول مقاتلي المرتدين في الصدر الأول أولا وبالأولى .
الصفة السادسة:كونهم لا يخافون لومه لائم .وجملة هذا الوصف معطوفة على التي قبلها أو مبينة لحال المجاهدين ، وفيها تعريض بالمنافقين الذين كانوا يخافون لوم أوليائهم من اليهود لهم إذا هم قاتلوا مع المؤمنين .والأبلغ أن تكون للوصف المطلق ، أي أنهم لتملكنهم في الدين ورسوخهم في الإيمان ، لا يخافون لومة ما من أفراد اللوم أو أنواعه ، من لائم ما كائنا من كان ، لأنهم لا يعملون العمل رغبة في جزاء أو ثناء من الناس ، ولا خوفا من مكروه يصيبهم منهم فيخافون لوم هذا أو ذاك ، وإنما يعملون العمل لإحقاق الحق وإبطال الباطل ، وتقرير المعروف وإزالة المنكر ، ابتغاء مرضاة الله تعالى بتزكية أنفسهم وترقيتها .
{ ذَلِكَ فَضْلُ اللّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاء} أي ذلك الذي ذكر من الصفات الست فضل الله يعطيه من يشاء من عباده ، فيفضلون غيرهم به وبما يترتب عليه من الأعمال .وقد بينا مرارا أن مشيئته سبحانه لمثل هذا الفضل تجري بحسب سننه التي أقام بها أمر النظام في خلقه ، فمنهم الكسب والعمل النفسي والبدني ، ومنه سبحانه آلات الكسب والقوى البدنية والعقلية ، والتوفيق والهداية الخاصة واللطف والمعونة{ والله ذو الفضل العظيم} فلا ينبغي للمؤمن أن يغفل عن فضله ومنته ، وما يقتضيه من شكره وعبادته .