قوله تعالى:{خَلَقَ الإِنسَانَ مِن صَلْصَالٍ كَالْفَخَّارِ وَخَلَقَ الْجَآنَّ مِن مَّارِجٍ مِّن نَّارٍ} .
الصلصال: الطين اليابس الذي تسمع له صلصلة ،أي صوت إذا قرع بشيء ،وقيل الصلصال المنتن ،والفخار الطين المطبوخ ،وهذه الآية بين الله فيها طوراً من أطوار التراب الذي خلق منه آدم ،فبين في آيات أنه خلقه من تراب كقوله تعالى{إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِندَ اللَّهِ كَمَثَلِ ءَادَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ} [ آل عمران: 59] وقوله تعالى{يا أَيُّهَا النَّاسُ إِن كُنتُمْ في رَيْبٍ مِّنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِّن تُرَابٍ} [ الحج: 5] وقوله تعالى{وَمِنْ ءَايَاتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ مِّن تُرَابٍ ثُمَّ إِذَآ أَنتُمْ بَشَرٌ تَنتَشِرُونَ} [ الروم: 20] وقوله تعالى{هُوَ الذي خَلَقَكُمْ مِّن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ} [ غافر: 67] وقوله تعالى{مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ} [ طه: 55] .
وقد بينا في قوله تعالى{فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِّن تُرَابٍ} وقوله{مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ} أن المراد بخلقهم منها هو خلق أبيهم آدم منها ،لأنه أصلهم وهم فروعه ،ثم إن الله تعالى عجن هذا التراب بالماء فصار طيناً ،ولذا قال{أَءَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِينًا} [ الإسراء: 61] وقال{وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ مِن سُلَالَةٍ مِّن طِينٍ} [ المؤمنون: 12] وقال تعالى{وَبَدَأَ خَلْقَ الإِنْسَانِ مِن طِينٍ} [ السجدة: 7] .وقال{أَم مَّنْ خَلَقْنَآ إِنَّا خَلَقْنَاهُم مِّن طِينٍ لاَّزِبٍ} [ الصافات: 11] وقال تعالى:{إني خَالِقٌ بَشَراً مِّن طِينٍ} [ ص: 71] ثم خمر هذا الطين فصار حماً مسنوناً ،أي طيناً أسود متغير الريح ،كما قال تعالى{وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ مِن صَلْصَالٍ مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ} [ الحجر: 26] الآية .قال تعالى{إني خَالِقٌ بَشَرًا مِّن صَلْصَالٍ مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ} [ الحجر: 28] وقال عن إبليس{قَالَ لَمْ أَكُن لأسجد لِبَشَرٍ خَلَقْتَهُ مِن صَلْصَالٍ مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ} [ الحجر: 33] والمسنون قيل المتغير وقيل المصور وقيل الأملس ،ثم يبس هذا الطين فصار صلصالاً .كما قال هنا:{خَلَقَ الإِنسَانَ مِن صَلْصَالٍ كَالْفَخَّارِ} [ الرحمان: 14]{وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ مِن صَلْصَالٍ مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ} [ الحجر: 26] الآية .
فالآيات يصدق بعضها بعضا ،ويتبين فيها أطوار ذلك التراب كما لا يخفى .