قوله تعالى:{لَن تَنفَعَكُمْ أَرْحَامُكُمْ وَلاَ أَوْلَادُكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَفْصِلُ بَيْنَكُمْ} .
الأرحام تستعمل في القرآن لعموم القرابة ،كقوله تعالى:{وَأُوْلُواْ الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ} [ الأنفال: 75] ،وقوله تعالى:{يَفْصِلُ بَيْنَكُمْ} أي بتقطع الأنساب بينهم ،كما بينه تعالى بقوله:{فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلاَ أَنسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلاَ يَتَسَآءَلُونَ} [ المؤمنون: 101] .
وقد بين تعالى نتيجة هذا الفصل بينهم يوم القيامة في قوله تعالى:{يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ وَصَاحِبَتِهُ وَبَنِيهِ لِكُلِّ امرئ مِّنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ} [ عبس: 34 -37] ،وقوله في موضع آخر:{وَصَاحِبَتِهِ وَأَخِيهِ وَفَصِيلَتِهِ الَّتِي تُؤْوِيهِ} [ المعارج: 12- 13] ،فعمت جميع الأقارب وبينت سبب الفصل بينهم ،وما يترتب عليه .
وهذه الآية خطاب للمؤمنين في ذوي أرحامهم من المشركين ،كما في قصة سبب النزول في أمر حاطب بن أبي بلتعة في إرساله الخطاب لأهل مكة قبيل الفتح بأمر التجهز لهم .
ومفهوم الوصف في أول السياق عدوي وعدوّكم ،وقد كفروا بما جاءكم من الحق ،يدل بمفهوم المخالفة أن أولى الأرحام من المؤمنين قد لا يفصل بينهم يوم القيامة .
ويدل لهذا المفهوم قوله تعالى:{وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَآ أَلَتْنَاهُمْ مِّنْ عَمَلِهِم مِّن شيء} [ الطور: 21] ،وقوله تعالى في دعاء الملائكة من حملة العرش للمؤمنين:{رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَّهُمْ وَمَن صَلَحَ مِنْ آبَآئِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ} [ غافر: 8] .
وهذه الآية بيان واضح في أن روابط الدين أقوى وألزم من روابط النسب .
وهذا المعنى بالذات تقدم للشيخ رحمة الله تعالى عليه ،الكلام عليه عند قوله تعالى:{إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يِهْدِى لِلَّتِي هِي أَقْوَمُ} [ الإسراء: 9] والآية الآتية بيان واضح لحقيقة هذا المعنى وشموله في جميع الأمم .