وقوله:{لَتَرْكَبُنَّ طَبَقاً عَن طَبقٍ} .
قال ابن جرير: اختلف القراء في قراءته ،فقرأه عمر بن الخطاب وابن مسعود وأصحابه وابن عباس وعامة قراء مكة والكوفة لتركبن بفتح التاء والباء ،واختلف قارؤوا ذلك في معناه ،فقال بعضهم: يعني يا محمد ،ويعني حالات الترقي والعلو والشدائد مع القوم ،وهذا المعنى عن مجاهد وابن عباس .
وقيل: طبقاً عن طبق: يعني سماء بعد سماء ،أي طباق السماء ،وهو عن الحسن وأبي العالية ومسروق .
وعن ابن مسعود: أنها السماء تتغير أحوالها تتشقق بالغمام ،ثم تحمر كالمهل ،إلى غير ذلك .وقد رجح القراءة الأولى والمعنى الأول .
وقرأ عامة قراء المدينة وبعض الكوفيين: لتركبن بالتاء وبضم الباء على وجه الخطاب للناس كافة .
وذكر المفسرون لمعناه حالاً بعد حال معان عديدة طفولة وشباباً وشيخوخه ،فقراً وغنى ،وقوة وضعفاً ،حياة وموتاً وبعثاً ،رخاء وشدة ،إلى كل ما تحتمله الكلمة .
وقال القرطبي: الكل محتمل ،وكله مراد ،والذي يظهر والله تعالى أعلم: أن ذلك إنما هو بعامة الناس ويكون يوم القيامة ،إذ السياق في أصول البعث ،إذا السماء انشقت ،وإذا الأرض مدت ،فأما من أوتي كتابه بيمينه وذكر الحساب المنقلب ،ثم التعبير بالمستقبل لتركبن ،ولو كان لأمر الدنيا من تغير الأحوال لكان أولى به الحاضر أو الماضي ،وإن كان من المستقبل ما سيأتي من الزمن لكنه ليس بجديد ،إذ تقلب الأحوال في شأن الحياة أمر مستقر في الأذهان ،ولا يحتاج إلى هذا الأسلوب .
أما أمور الآخرة من بعث ،وحشر ،وعرض ،وميزان وصراط وتطاير كتب ،واختلاف أحوال الناس باختلاف المواقف ،في عرصات القيامة فهي الحرية بالتنبيه عليها والتحذير منها والعمل لأجلها في كدحه إلى ربه ،فلذا جاء بذلك وهو مشعر باستمرار حالة الإنسان بعد الكدح إلى حالات متعددة ودرجات متفاوتة .
ولو اعتبرنا حال المقسم به من حيث تطور الحال من شفق أو آخر ضوء الشمس ثم ليل ،وما جمع وغطى بظلامه ،ثم قمر يبدأ هلالاً إلى اتساق نوره ،لكان انتقالاً من تغير حركات الزمن إلى تغير أحوال الإنسان قطعاً ،وأن القادر على ذلك في الدنيا قادر على ذلك في الآخرة .