قوله:{والليل إِذَا يَسْرِ} ،اتفق المفسرون على المعنى وهو سريان الليل ،ولكن الخلاف في التعيين هل المراد به عموم الليالي في كل ليلة أم ليلة معينة ،وما هي ؟
فقيل: بالعموم كقوله:{والليل إِذَا عَسْعَسَ} .
وقيل: بالخصوص في ليلة مزدلفة أو ليلة القدر .
وأيضاً يقال: إذا كان الفجر فجر النحر ،والعشر عشر ذي الحجة فيكون{وَالّلَيْلِ إِذَا يَسْرِ} ،ليلة الجمع .واللَّه تعالى أعلم .
وقد رجح القرطبي وغيره عموم الليل ،وقد جمع في هذا القسم جميع الموجودات جملة وتفصيلاً ،فشملت الخالق والمخلوق والشفع والوتر إجمالاً وتفصيلاً ،في انفجار الفجر وانتشار الخلق وسريان الليل وسكون الكون ،والعبادات في الليالي العشر .
فكان من أعظم ما أقسم الله به قوله تعالى:{هَلْ فِي ذَلِكَ قَسَمٌ لِّذِي حِجْرٍ} ،أي عقل ،والحجر كل مادته تدور على الإحكام والقوة ،فالحجر لقوته ،والحجرة لإحكام ما فيها .والعقل سمي حِجراً بكسر الحاء .لأنه يحجر صاحبه عما لا يليق ،والمحجور عليه لمنعه من تصرفه وإحكام أمره ،وحجر المرأة لطفلها ،فهذه المقسم بها الخمسة هل فيها قسم كاف لذي عقل ،والجواب: بلى ،وهذا ما يقوي هذا القسم بلا شك .
ثم اختلف في جواب هذا القسم حيث لم يصرح تعالى به ،كما صرح به في نظيره ،وهو قوله:{* فَلاَ أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ 75 وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَّوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ 76} .ثم صرَّح بالمقسم عليه{إِنَّهُ لَقرآن كَرِيمٌ} الآية .وهنا لم يصرح به مع عظم القسم فوقع الخلاف في تعيينه .
فقيل: هو مقدر تقديره ليعذبن يدل له قوله:{أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ 6}إلى قوله:{فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ} .
وقيل: موجود وهو قوله:{إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ} ،قاله القرطبي .
وهذا من حيث الصناعة في اللغة وأساليب التفسير وجيه ،ولكن يوجد في نظري واللَّه تعالى أعلم: ارتباط بين القسم وجوابه وبينما يجيء في آخر السورة من قوله:{كَلاَّ إِذَا دُكَّتِ الأَرْضُ دَكّاً دَكّاً} ،إلى آخر السورة .
كما أنه يظهر ارتباط كبير بينه وبين آخر السورة التي قبلها ،إذ جاء فيها{فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنتَ مُذَكِّرٌ 21 لَّسْتَ عَلَيْهِم بِمُسَيْطِرٍ 22 إِلاَّ مَن تَوَلَّى وَكَفَرَ 23 فَيْعَذِّبُهُ اللَّهُ الْعَذَابَ الأًكْبَرَ} ،{وَالْفَجْرِ 1 وَلَيالٍ عَشْرٍ}إلى قوله:{هَلْ فِي ذَلِكَ قَسَمٌ لِّذِي حِجْرٍ} ،لأن ما فيه من الوعيد بالعذاب الأكبر والقصر في إيابهم إلى الله وحده وحسابهم عليه فحسب يتناسب معه هذا القسم العظيم .
أما ارتباطه بما في آخر السورة ،فهو أن المقسم به هنا خمس مسميات{وَالْفَجْرِ وَلَيالٍ عَشْرٍ وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ وَالّلَيْلِ إِذَا يَسْرِ} ،والذي في آخر السورة أيضاً خمس مسميات:{دُكَّتِ الأَرْضُ دَكّاً دَكّاً وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفّاً صَفّاً وجيء يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الإِنسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى} .
صور اشتملت على اليوم الآخر كله من أول النفخ في الصور ،ودك الأرض إلى نهاية الحساب ،وتذكر كل إنسان ماله وما عليه ،تقابل ما اشتمل عليه القسم المتقدم من أمور الدنيا .