/م68
{ قَالُواْ اتَّخَذَ اللّهُ ولَداً} فزعم المشركون أن الملائكة بنات الله ، وقالت النصارى:المسيح ابن الله ، وقال بعض اليهود ، عزير ابن الله ، وتقدم في سورة التوبة: "ويرى بعض المؤرخين أن عزير هو أوزيروس أحد آلهة قدماء المصريين ".
{ سُبْحَانَهُ} كلمة التسبيح معناها التنزيه والتقديس ، أي تسبيحا له عز وجل عن كل ما لا يليق بربوبيته وألوهيته ، وتقال في مقام التعجب ، ويصح هنا جمع المعنيين كليهما ، وقفى على هذا التنزيه والتعجب بما يدل على بطلان قولهم بأفواههم ما ليس به علم فقال:
{ هُو الْغَنِيُّ لَهُ مَا فِي السَّمَاوات ومَا فِي الأَرْضِ} أي هو الغني بذاته عن الولد ، لأن كل ما في الوجود من العالم العلوي والسفلي ملك وعبيد له لا يحتاج منها إلى شيء ، ويحتاج إليه كل شيء ، ولا يشبهه أو يجانسه منها شيء ، فالإنسان يحتاج إلى الولد لأمور:منها بقاء ذكره به وبذريته ، ومنها أنه قوة وعصبة له يعتز به هو وعشيرته ، ومنها أن وجوده زينة له في داره يلهو به في صغره ، ويفاخر به أقرانه في كبره ، ومنها أنه قد يحتاج إليه لقضاء مصالحه وتنمية ثروته ، وقد يحتاج إلى رفده وبره عند عجزه أو فقره ، والله تعالى لا يحتاج إلى شيء من هذه المنافع ؛ لأنه هو الغني عن كل شيء بذاته لذاته أزلا وأبدا .
{ إِنْ عِندَكُم مِّن سُلْطَانٍ بِهَذَا}"إن "هنا نافية و "من "مؤكدة لهذا النفي مفيدة لعمومه ، والسلطان الحجة والبرهان ، والجملة تجهيل لهم ورد عليهم ، أي ما عندكم أي نوع من أنواع الدليل والبرهان متعلق بهذا القول الذي تقولونه من غير عقل ولا علم ولا وحي إلهي ، تعارضون به هذا البرهان العقلي ، وهو تنزيه الله وغناه المطلق عن الولد وغيره ، وكونه المالك لكل شيء مما في السماوات والأرض .
{ أَتقُولُونَ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ} هذا استفهام تبكيت وتوبيخ على أقبح الجهل والكفر ، وهو قولهم على الله تعالى ما ليس لهم به علم ، ولاسيما بعد مجيء ما ينقضه من العلم والبرهان والوحي الإلهي ، قال البيضاوي وغيره:وفيه دليل على أن كل قول لا دليل عليه فهو جهالة ، وأن العقائد لا بد لها من قاطع ، وأن التقليد فيها غير سائغاه .وقد تقدم حكاية اتخاذ الولد عن الكفار عامة وعن النصارى خاصة في سورة البقرة وآل عمران والنساء والمائدة والأنعام ، وسيأتي في سور أخرى مع إبطاله وتفنيده بالدلائل ووجوه الحجة المختلفة الأساليب ، أو التقريع والتأنيب ، والإنذار والوعيد .