/م7
وهي:
{ لقد كان في يوسف وإخوته آيات للسائلين} أي لقد كان في قصة يوسف وإخوته لأبيه أنواع من الدلائل على أنواع من قدرة الله وحكمته ، وتوفيق أقداره ولطفه بمن اصطفى من عباده ، وتربيته لهم ، وحسن عنايته بهم ، للسائلين عنها ، من الراغبين في معرفة الحقائق والاعتبار بها ، لأنهم هم الذين يعقلون الآيات ويستفيدون منها ، ومن فاته العلم بشيء أو بحكمته أو بوجه العبرة فيه سأل عنه من هو أعلم به منه ، فإن للظواهر غايات لا تعلم حقائقها إلا منها ، فإخوة يوسف لو لم يحسدوه لما ألقوه في غيابة الجب ، ولو لم يلقوه لما وصل إلى عزيز مصر ، ولو لم يعتقد العزيز بفراسته وأمانته وصدقه لما أمنه على بيته ورزقه وأهله ، ولو لم تراوده امرأة العزيز عن نفسه ويستعصم لما ظهرت نزاهته وعرف أمرها ، ولو لم تخب في كيدها وكيد صواحبها من النسوة لما ألقي في السجن لإخفاء هذا الأمر ، ولو لم يسجن لما عرفه ساقي ملك مصر وعرف براعته وصدقه في تعبير الرؤيا ، ولو لم يعلم الساقي منه هذا لما عرفه ملك مصر وآمن به وله وجعله على خزائن الأرض ، ولو لم يتبوأ هذا المنصب لما أمكنه أن ينقد أبويه وإخوته وأهله أجمعين من المخمصة ويأتي بهم إلى مصر فيشاركوه في رياسته ومجده ، بل لما تم قول أبيه له{ ويتم نعمته عليك وعلى آل يعقوب} فما من حلقة من هذه السلسلة إلا وكان ظاهرها محرقا ، وباطنها مشرقا ، وبدايتها شرا وخسرا ، وعاقبتها خيرا وفوزا ، وصدق قول الله عز وجل{ والعاقبة للمتقين} [ الأعراف:128] .
فهذه أنواع من آيات الله في القصة للسائلين عن وقائعها الحسية الظاهرة ، وما هو أعلى منها من علومها وحكمها الباطنة ، كعلم يعقوب بتأويل رؤيا يوسف وعلمه يكذبهم بدعوى أكل الذئب له ، ومن شهادة الله له بالعلم بقوله{ وإنه لذو علم لما علمناه} [ يوسف:68] الآية ، ومن شمه لريح يوسف منذ فصلت العير من أرض مصر قاصدة أرض كنعان ، ومن علم يوسف بتأويل الأحاديث ، ومن رؤيته لبرهان ربه ، ومن كيد الله له ليأخذ أخاه بشرع الملك ، ثم من علمه بأن إلقاء قميصه على أبيه يعيده بصيرا بعد عمى سنين كثيرة ، في القصة مجال لسؤال السائلين عن كل هذه المعاني من العلم الروحاني ، وهي أخفى مما قبلها ، وأحق بالسؤال عنها .
وقيل إن المراد بالسائلين جماعة من اليهود جاؤوا مكة وسألوا النبي صلى الله عليه وسلم سؤال امتحان عن نبي كان بالشام أخرج ابنه إلى مصر فبكى عليه حتى عمي ؟ فأنزل الله تعالى عليه سورة يوسف جملة واحدة كما في التوراة ، وروي أن بعضهم لقنوا بعض أهل مكة أن يسألوه عن قصة يوسف ، وروي أن بعضهم سألوه عن أسماء الكواكب الأحد عشر التي رآها يوسف في منامه ولم يكن يعرفها فنزل عليه جبريل فلقنه إياها فجاءت موافقة لما في التوراة ، وذكروا هذه الأسماء في تفاسيرهم ، فالمراد بالآيات على هذا دلائل نبوة محمد صلى الله عليه وسلم ولا يصح من هذه الروايات شيء بل هي من الإسرائيليات ، وليس في التوراة ذكر لأسماء هذه الكواكب ، وقصة يوسف في القرآن موافقة لجملة ما في سفر التكوين ومخالفة له في بعض دقائقها وسنذكر من ذلك غير ما ذكرنا آنفا .