/م7
{ إذ قالوا ليوسف وأخوه أحب إلى أبينا منا} أي أن في قصتهم لآيات في الوقت الذي ابتدؤوا فيه بقولهم جازمين مقسمين:ليوسف وأخوه الشقيق له واسمه بنيامين ، أحب إلى أبينا منا كلنا{ ونحن عصبة} أي يفضلهما علينا بمزيد المحبة على صغرهما وقلة غنائهما والحال إننا نحن عصبة عشرة رجال أقوياء أشداء معتصبون نقوم له بكل ما يحتاج إليه من أسباب الرزق والحماية والكفاية{ إن أبانا لفي ضلال مبين} إنه لفي تيه من المحاباة لهما ضل فيه طريق العدل والمساواة ضلالا بينا لا يخفى على أحد ، إذ يفضل غلامين ضعيفين من ولده لا يقومان له بخدمة نافعة ، على العصبة أولي القوة والكسب والنجدة .وهذا الحكم منهم على أبيهم جهل مبين وخطأ كبير ، لعل سببه اتهامهم إياه بإفراطه في حب أمهما من قبل ، فيكون مثاره الأول اختلاف الأمهات بتعدد الزوجات ولا سيما الإيماء منهن{[1784]} وهو الذي أضلهم عن غريزة الوالدين في زيادة العطف على صغار الأولاد وضعافهم وكانا أصغر أولاده ، فقد سئل والد بليغ:أي ولدك أحب إليك ؟ قال صغيرهم حتى يكبر ، وغائبهم حتى يحضر ، ومريضهم حتى يشفى ، وفقيرهم حتى يغنى [ وأشك في هذه الأخيرة] .
ومن فوائد القصة وجوب عناية الوالدين بمداراة الأولاد وتربيتهم على المحبة والعدل واتقاء وقوع التحاسد والتباغض بينهم ، ومنه اجتناب تفضيل بعضهم على بعض بما يعده المفضول إهانة له ومحاباة لأخيه بالهوى ، وقد نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم مطلقا ، ومنه سلوك سبيل الحكمة في تفضيل من فضل الله تعالى بالمواهب الفطرية كمكارم الأخلاق والتقوى والعلم والذكاء ، وما كان يعقوب بالذي يخفى عليه هذا ، وما نهى يوسف عن قصة رؤياه عليهم إلا من علمه بما يجب فيه ، ولكن ما يفعل الإنسان بغريزته وقلبه وروحه ؟ أيستطيع أن يحول دون سلطانها على جوارحه ؟ كلا .
دلائل العشق لا تخفى على أحد *** كحامل المسك لا يخلو من العبق