التّفسير
المؤامرة:
من هنا تبدأ قصّة مواجهة إِخوة يوسف واشتباكهم معه:
ففي الآية الأُولىمن الآيات محل البحثإِشارة إلى الدروس التربوية الكثيرة التي توحيها القصّة ،إِذ تقول الآية: ( لقد كان في يوسف وإِخوته آيات للسائلين ) .
وفي أنّ المراد بالسائلين ،من هم ؟يقول بعض المفسّرين كالقرطبي في التّفسير الجامع وغيره: إِنّ هؤلاء السائلين هم جماعة من يهود المدينة ،جاؤوا يسألون النّبي أسئلة في هذا المجال ،ولكن ظاهر الآية مطلق ،فلا مرجّح لأنّ يكون المراد بالسائلين هم اليهود دون غيرهم .
وأيّ درس أعظم من أن يجتمع عدّة أفراد لإِهلاك فرد ضعيف ووحيدفي الظاهروبخطط أعدّها الحسدُ ،ويبذلون أقصى جهودهم لهذا الأمر ،ولكن نفس هذا العملودون شعور وإرادة منهمبات سبباً في تربّعه على سرير الملك وصيرورته آمراً على البلد الكبير «مصر » ثمّ يأتي إِخوته في النهاية ليطأطئوا برؤوسهم إِعظاماً له ،وهذا يدلّ على أن الله إِذا أراد أمراً فهو قادر على أن يجريه حتى على أيدي من يخالفون ذلك الأمر ،ليتجلّى أن الإِنسان المؤمن الطاهر ليس وحيداً في هذا العالم ،فلو سعى جميع أفراد هذا العالَم إلى إزهاق روحه والله لا يريد ذلك ،فإنهم لا يستطيعون أن يسلبوا منه شعرة واحدة .
كان ليعقوب اثنا عشر ولداً ،واثنان منهم: يوسف وبنيامين وهما من أُم واحدة اسمها راحيل ،وكان يعقوب يولي هذين الولدين محبّة خاصّة ،لا سيما يوسف .
لأنّهما أوّلا: أصغر أولاده ،وبالطبع فهما يحتاجان إلى العناية والرعاية والمحبة .
وثانياً: لأنّ أُمّهما ارتحلت من الدنياطبقاً لبعض الرّواياتوبعد هذا كلّه كانت بوادر النبوغ والذكاء والحادّ ترتسم على يوسف ،وهذه الأُمور أدّت إلى أن يولي يعقوب ابنه هذا عناية أكثر .
إِلاّ أن الإِخوة الحساددون أن يلتفتوا إلى هذه الجهاتتألّموا من حبّ أبيهم ليوسف وأخيه ،وخاصّة بعد اختلافهم في الاُم والمنافسة الطبيعية المترتبة على هذا الأمر .