{ الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبنائهم} ذكر في الآية السابقة أن الذين أوتوا الكتاب يعلمون أن ما جاء به النبي في أمر القبلة هو الحق من ربهم ولكنهم ينكرون ويمكرون ، وذكر في هذه ما هو الأصل والعلة في ذلك العلم وذلك الإنكار وهو أنهم يعرفون النبي صلى الله عليه وسلم بما في كتبهم من البشارة به ومن نعوته وصفاته التي لا تنطبق على غيره ، وبما ظهر من آياته وآثار هدايته ، كما يعرفون أبناءهم الذين يتولون تربيتهم وحياطتهم حتى لا يفوتهم من أمرهم شيء .قال عبد الله بن سلام رضي الله عنهوكان من علماء اليهود وأحبارهم:أنا أعلم به مني بابني .فقال له عمر رضي الله عنه:لم ؟ قال:لأني لست أشك في محمد أنه نبي فأما ولدي فلعل والدته خانتفقد اعترف من هداه الله من أحبارهم كهذا العالم الجليل وتميم الداري من علماء النصارى أنهم عرفوه صلى الله عليه وسلم معرفة لا يتطرق إليها الشك .
{ وإن فريقا منهم ليكتمون الحق وهم يعلمون} أنه الحق الذي لا مرية فيه ، فماذا يرجى منهم بعد هذا ؟ وذهب بعض المفسرين إلى أن الضمير في ( يعرفونه ) لما ذكر من أمر القبلة ، واستبعدوا عوده إلى الرسول مع تقدم ذكره في الآيات ، ومع ما يعهد من الاكتفاء بالقرائن في مثل هذا التعبير .وقد أسند هذا الكتمان إلى فريق منهم إذ لم يكونوا كلهم كذلك ، فإن منهم من اعترف بالحق وآمن واهتدى به ، ومنهم من كان يجحده عن جهل ولو علم به لجاز أن يقبله ، وهذا من دقة حكم القرآن على الأمم بالعدل .