/م121
ثم قال تعالى:
{ ليقطع طرفا من الذين كفروا أو يكبتهم فينقلبوا خائبين} ذهب بعض المفسرين إلى أن هذا متعلق بقوله:{ ولقد نصركم الله ببدر} وبعض آخر إلى أنه من الكلام في وقعة أحد المقصودة بالذات ؛ فإن ذكر النصر ببدر إنما جاء استطرادا ولذلك أنكروا أن يكون ذكر الملائكة الثلاثة الآلاف والخمسة الآلاف متعلقا به .وهذا هو المختار عندنا .أي إنه فعل ما فعل ليقطع طرفا ، أو وما النصر إلا من عنده ليقطع طرفا .ومعنى قطع الطرف منهم إهلاك طائفة منهم يقال: "قطع دابر القوم "إذا هلكوا وقد نطق به التنزيل .وعبر عن الطائفة بالطرف لأنهم الأقرب إلى المسلمين من الوسط وأراد بهم الإشراف منهم ، كذا قيل ، والمتبادر الأول لا لأنه من باب"قاتلوا الذين يلونكم "كما قيل ، بل لأن الطرف هو أول ما يوصل إليه من الجيش .وقد أهلك الله من المشركين يوم أحد طائفة في أول الحرب .
روى ابن جرير عن السدي أنه قال:ذكر الله قتلى المشركين يعني بأحد ، وكانوا ثمانية عشر رجلا فقال:{ ليقطع طرفا من الذين كفروا} الخ ونقول قد ذكر غير واحد من أهل السير أن قتلى المشركين يوم أحد كانوا ثمانية عشر رجلا ، ورد عليهم آخرون بأن حمزة وحده قتل نحو ثلاثين .وصرح بعضهم بأن سبب غلط من قال ذلك القول هو ما روي أن بعض المسلمين أراد عد قتلى المشركين فعد ثمانية عشر .وصرح بعضهم بأن سبب ذلك أن المشركين أخذوا قتلاهم أو دفنوهم لئلا يمثل بهم المسلمون بعد المعركة كما مثلوا هم بالمسلمين عندما أصابوا الغرة منهم ، وهذا هو المعقول .وانتظر أيها القارئ قوله تعالى:{ أو لما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها} [ آل عمران:165] .
وأما قوله:{ أو يكبتهم} فقد فسروه بأقوال ، منها أن معناه يخزيهم ومنها أن معناه يصرعهم لوجوههم ، وفي الأساس:كبت الله عدوه أكبه وأهلكه .ولكن صاحب الأساس فسر الكلمة في الكشاف بقوله: "ليخزيهم ويغيظهم بالهزيمة ".وقال الراغب:الكبت الرد بعنف وتذليل .وقال البيضاوي: "أو يخزيهم والكبت شدة الغيظ أو وهن يقع في القلب ".وكل هذه المعاني وردت في كتب اللغة وصرح البيضاوي بأن"أو "هنا للتنويع لا للترديد .والمعنى أنه يقطع طرفا وطائفة ويكبت طائفة أخرى أي ويتوب على طائفة ويعذب طائفة كما في الآية الآتية .