{ فآتاهم الله ثواب الدنيا} بالنصر والظفر بالعدو ، والسيادة في الأرض ، وما يتبع ذلك من الكرامة والعزة ، وحسن الأحدوثة وشرف الذكر{ وحسن ثواب الآخرة} بنيل رضوان الله وقربه ، والنعيم بدار كرامته ، وهو ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ، ولا خطر على قلب بشر{[366]} ، كما ورد في الخبر ، أخذا من قوله تعالى:{ فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين} [ السجدة:17] و ما آتاهم ذلك إلا بحسن إرادتهم وما كان لها من حسن الأثر في نفوسهم وأعمالهم ، إذ أتوا البيوت من أبوابها ؛ وطلبوا المقاصد بأسبابها{ والله يحب المحسنين} لأنهم خلفاؤه في الأرض يقيمون سنته ؛ ويظهرون بأنفسهم وأعمالهم حكمته ، فيكون عملهم لله بالله كما ورد في صفة العبد الذي يحبه الله"فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به ، وبصره الذي يبصر به ؛ ويده التي يبطش بها "{[367]} أي إن مشاعره وأعماله لا تكون مشغولة إلا بما يرضي الله ويقيم سننه ويظهر حكمه في خلقه .
وإنما جمع لهم بين ثواب الدنيا وحسن ثواب الآخرة لأنهم أرادوا بعلمهم سعادة الدنيا والآخرة ، وإنما الجزاء على حسب الإرادة .وهذا هو شأن المؤمن كما تقدم آنفا وهو حجة على الغالين في الزهد .وخص ثواب الآخرة بالحسن للإيذان بفضله ومزيته وأنه المعتمد به عند الله تعالى .كذا قالوا .وقال الأستاذ الإمام:ثواب هؤلاء حسن على كل حال ولكن ذكر الحسن في ثواب الآخرة مزيد في تعظيم أمره .وتنبيه على أنه ثواب لا يشوبه أذى .فليس مثل ثواب الدنيا عرضة للشوائب والمنغصات .ولا يعترض على ما أثبته الآية بمثل واقعة الرجيع وبئر معونة{[368]} من حيث إن من قتلوا هنالك لم يؤتوا ثواب الدنيا فإن إيثار ثواب الدنيا مشروط باتباع السنن والأخذ بالأسباب وفي واقعة الرجيع قد اختلفوا في النزول على حكم المشركين ، فكان ذلك تقصيرا منهم .وفي واقعة بئر معونة قد قصروا في الاحتياط إذ أمنوا لمن لا يصح أن يؤمن لهم ، فكان ذلك جزاء التقصير وموعظة للمؤمنين ليكونوا دائما حذرين محتاطين غير مقصرين ولا مسرفين .
وقد صرح بما اتفق عليه المفسرون من كون الآيات تأديبا للمؤمنين وتوبيخا لمن فرط منهم ما فرط ، والأمر ظاهر كالشمس في الضحى أو أشد ظهورا .