/م153
وأما قوله تعالى:{ بل رفعه الله إليه} فقد سبق نظيره في سورة آل عمران وذلك قوله تعالى:{ إذ قال الله يا عيسى إني متوفيك ورافعك إلي ومطهرك من الذين كفروا} [ آل عمران:155] روي عن ابن عباس تفسير التوفي هنا بالإماتة كما هو الظاهر المتبادر وعن ابن جريح تفسيرها بأصل معناها وهو الأخذ والقبض والمراد منه ومن الرفع إنقاذه من الذين كفروا بعناية من الله الذي اصطفاه وقربه إليه .قال ابن جرير بسنده عن ابن جريج ( فرفعه إياه توفيه إياه وتطهيره من الذين كفروا ) أي ليس المراد الرفع إلى السماء لا بالروح والجسد ولا بالروح فقط .وعلى أن القول أن التوفي إماتة لا يظهر للرفع معنى إلا رفع الروح .والمشهور بين المفسرين وغيرهم أن الله تعالى رفعه بروحه وجسده إلى السماء ويستدلون على هذا الحديث المعراج إذ فيه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم رآه هو وابن خالته يحيى في السماء الثانية:ولو كان هذا يدل على أنه رفع بروحه وجسده إلى السماء لدل أيضا على رفع يحيى وسائر من رآهم من الأنبياء في سائر السماوات ، ولم يقل بهذا أحد .
وذكر الرازي أن المشبهة يستدلون بالآية على إثبات المكان لله تعالى وذكر للرد عليهم وجوها منها:أن المراد ( برافعك إلي ) إلى محل كرامتي وجعل ذلك رفعا للتفخيم والتعظيم ومثله قوله تعالى حكاية عن إبراهيم{ إني ذاهب إلى ربي} [ الصافات:99] وإنما ذهب من العراق إلى الشام ومنها:أن المراد إلى مكان لا يملك الحكم فيه عليه غير الله .
وقد فسرنا آية آل عمران في الجزء الثالث وذكرنا ما قاله الأستاذ الإمام فيها وفي مسألة نزول عيسى في آخر الزمان كما ورد في الأحاديث .وقد أنكر بعض الباحثين ما أوردناه في ذلك وهو يحتاج إلى تمحيص وبيان ليس التفسير بمحل له لأن القرآن لم يثبت لنا هذه المسألة .
{ وكان الله عليم حكيما} فبعزته وهي كونه يقهر ولا يقهر ، ويغلب ولا يغلب ، أنقذ عبده ورسوله عيسى عليه السلام من اليهود الماكرين ، والروم الحاكمين وبحكمته جزى كل عامل بعمله ، فأحل باليهود ما أحل بهم وسيوفيهم جزاءهم في الآخرة .
/خ159