/م15
قال تعالى:( واللذان يأتيانها منكم ) أي يأتيان الفاحشة وهي هنا الزنا في قول الجمهور واللواط في قول بعضهم وعليه أبو مسلم والأمران معا في قول ( الجلالين ) ، والمراد بالتثنية في الأول الزاني والزانية بطرق التغليب ، وفي الثاني الفاعل والمفعول به بجعل القابل كالفاعل ، وفي الثاني الزاني واللائط ولا تجوز فيه ( فآذوهما ) بعد ثبوت ذلك بشهادة الأربعة كما يؤخذ من الآية الأولى .روي عن ابن عباس رضي الله عنه تفسير الإيذاء بالتعبير والضرب بالنعال ، وعن مجاهد وقتادة والسدي تفسيره بالتعبير والتوبيخ فقط .فإذا كانت هذه الآية قد نزلت قبل آية سورة النور ، وكان المراد بها الزنا كما هو قول الجمهور ، فالعقاب كان تعزيرا مفوضا إلى الأمة ، وإلا جاز أن يراد بالإيذاء الحد المشروع نفسه .والظاهر أن آية النور نزلت بعد هذه وهي مبينة ومحددة للإيذاء هنا على القول بأن ما هنا في الزنا ، وإلا فتلك خاصة بحكم الزنا لأنها صريحة فيه ، وهذه خاصة باللواط ، ولذلك اختلف الصحابة ومن بعدهم في عقاب من يأتيه ، وهذا ما اختاره أبو مسلم وتخصيصه الفاحشة في هذه الآية باللواط الذي هو استمتاع الرجل بالرجل والفاحشة فيما قبلها بالسحاق الذي هو استمتاع المرأة بالمرأة هو المناسب لجعل تلك خاصة بالنساء وهذه خاصة بالذكور .فهذا مرجح لفظي يدعمه مرجح معنوي وهو كون القرآن عليه ناطقا بعقوبة الفواحش الثلاث ، وكون هاتين الآيتين محكمتين .والأحكام أولى من النسخ حتى عند الجمهور القائلين به .وستأتي تتمة هذا البحث .
( فإن تابا ) رجعا عن الفاحشة وندما على فعلها ( وأصلحا ) العمل كما هو شأن المؤمن يقبل على الطاعة بعد العصيان ليطهر نفسه ويزكيها من درنه ويقوي فيها داعية الخير على داعية الشر ( فأعرضوا عنهما ) أي كفوا عن إيذائهما بالقول والفعل ( إن الله كان توابا رحيما ) أي مبالغا في قبول التوبة من عباده ، شديد الرحمة بهم وإنما شرع العقاب لينزجر العاصي ولا يتمادى فيما يفسده فيهلك ويكون قدوة في الشر والخبث ( وراجع تفسير التواب الرحيم في ج 2 تفسير ) .
/خ16