ثم ختم جل جلاله هذه السورة بقوله{ لله ملك السموات والأرض وما فيهن وهو على كل شيء قدير} وهو مناسب لما قبله مباشرة ومناسب لأن يكون ختاما لمجموع ما في هذه السورة .أما الأول فلما بين ما لأهل الصدق عنده من الجزاء الحق في مقعد الصدق ، بين عقبه سعة ملكه وعموم قدرته الدالين على كون ذلك الجزاء لا يقدر عليه غيره .وأما الثاني فلما كان أكثر آيات هذه السورة في محاجة أهل الكتاب عامة ، وبسط الحجج على بطلان أقوال النصارى في نبيهم خاصة ، وسائرها في بيان أحكام الحلال والحرام ، مع النص على إكمال الدين بالقرآن ، وعلى وحدة الدين الإلهي واختلاف الشرائع والمناهج للأمم ،- ولما كان كل من ذينك القسمين في الأصول والفروع قد تكرر فيه الوعد والوعيد ، وقفى عليهما بذكر جمع الله تعالى للرسل يوم القيامة وسؤالهم عن التبليغ ، وجواب أحدهم الدال على شهادتهم على أقوامهم بالحق وتفويض أمرهم إلى الله عز وجل- .
لما كان ما ذكر كما ذكر ناسب أن تختم هذه السورة ببيان كون الملك كله والقدرة كلها لله وحده ، وأن ملك السموات والأرض وما فيهن لله وحده ، كما يدل عليه تقدم الظرف- وهو خبر المبتدأ- وقد اختيرت كلمة «ما » في قوله «وما فيهن » على «من » الخاصة بمن يعقل ، وهو الذي من شأنه أن يملك ، لأن مدلولها أعم وأشمل ، وللإشارة إلى أن يوم الجزاء الحق يستوي فيه من يعقل ومن لا يعقل ، فلا يملك معه أحد شيئا ، لا حقيقة ولا مجازا ، ويدخل في ذلك المسيح وأمة اللذين عبدا من دون الله ، فيتضمن الحصر والتعريض بعبادتهما ، وبالاتكال على شفاعتهما ، إذ الملك والقدرة لله وحده{ من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه} [ البقرة:255] وغاية الأمر أنهما من عباد الله المكرمين{ وقالوا:اتخذ الرحمن ولدا- سبحانه بل عباد مكرمون* لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون* يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ولا يشفعون إلا لمن ارتضى وهم من خشيته مشفقون* ومن يقل منهم:إني إله من دونه- فذلك نجزيه جهنم .كذلك نجزي الظالمين} [ الأنبياء:26 – 29] صدق الله العظيم .