{ قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ هَلْ تَنقِمُونَ مِنَّا إِلاَّ أَنْ آمَنَّا بِاللّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلُ وَأَنَّ أَكْثَرَكُمْ فَاسِقُونَ} الاستفهام للإنكار والتبكيت أي قل أيها الرسول مخاطبا ومحتجا على أهل الكتاب دون المشركين:هل تنقمون منا شيئا ، أي هل عندنا شيء تنكرونه وتعيبونه علينا وتكرهوننا لأجله لمضادتكم إيانا فيه ، إلا إيماننا الصادق بالله وتوحيده وتنزيهه وإثبات صفات الكمال له ، وإيماننا بما أنزله إلينا وبما أنزله من قبل على رسله ؟ أي عندنا سوى ذلك وهو يعاب و ينقم ، بل يمدح صاحبه ويكرم ، - وألا إن أكثركم فاسقون ، أي خارجون من حظيرة هذا الإيمان الصحيح الكامل ، وليس لكم من الدين إلا العصبية الجنسية ، والتقاليد الباطلة ؟ فلذلك تعيبون الحسن من غيركم ، وترضون القبيح من أنفسكم .
يقال نقم منه كذا ينقم ( كضرب يضرب ) إذا أنكره عليه بالقول والفعل وعابه به وكرهه لأجله .وهو من مادة النقمة وهي كراهة السخط ، والعقاب المرتب عليها .ويقال ( نقم ينقم ) ( بوزن علم يعلم ) والمستعمل في القرآن الأول .
روى ابن جرير وغيره عن ابن عباس قال:أتى رسول اله صلى الله عليه وآله وسلم نفر من اليهود فيهم أبو ياسر بن أخطب ورافع بن أبي رافع وعاري وزيد وخالد وأزار بن أبي أزار وواسع ، فسألوه عمن يؤمن من الرسل فقال:( أؤمن بالله وما أنزل إلينا وما أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وما أوتي موسى وعيسى وما أوتي النبيون من ربهم ، لا نفرق بين أحد منهم ونحن له مسلمون ) فلما ذكر عيسى جحدوا نبوته وقالوا لا نؤمن بمن آمن به .فأنل الله فيهم{ قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ} الخ .والمعنى أن الآية تتناول هؤلاء أولا وبالذات ، وتعم كل ناقم من المسلمين .
وفي قوله تعالى:( وأكثركم فاسقون ) ما نبهنا على مثله من دقة القرآن في الحكم على الأمم والشعوب إذ يحكم على الكثير أو الأكثر ، وما عم إلا واستثنى .وقد كان ولا يزال في أهل الكتاب أناس لا يزالون معتصمين بأصول الدين وجوهره من التوحيد وحب الحق والعدل والخير .وهؤلاء هم الذين كانوا يسارعون إلى الإسلام إذا عرفوه بقدر نصيب كل من جوهر الدين ونور البصيرة .وهذا لا ينافي ما كان من طروء التحريف على دينهم ، ونسيان حظ ونصيب مما نزل إليهم .