/م59
التّفسير
في هذه الآية يأمر الله نبيّه( صلى الله عليه وآله وسلم ) أن يسأل أهل الكتاب عن سبب اعتراضهم وانتقادهم للمسلمين ،وهل أنّ الإِيمان بالله الواحد الأحد والاعتقاد بما أنزل على نبي الإِسلام والأنبياء الذين سبقوه يجابه بالاعتراض والانتقاد ،حيث تقول الآية: ( قل يا أهل الكتاب هل تنقمون منّا إِلاّ أن آمنا بالله وما أنزل إِلينا وما أنزل منقبل ...){[1082]} .
وتشير هذه الآيةأيضاًإلى جانب آخر من جوانب صلف ووقاحة اليهود وتطرفهم غير المبرر ،ونظرتهم الضيقة الأحادية الجانب التي دفعت بهم إلى الاستهاتة بكل شخص ودين غير أنفسهم ودينهم ،وهم لتطرفهم ذلك كانوا يرون الحقّ باطلا والباطل حقّاً .
وتأتي في آخر الآية عبارة تبيّن علّة الجملة السابقة ،حيث تبيّن أن اعتراض اليهود وانتقادهم للمسلمين الذين آمنوا بالله وبكتبه ،ما هو إِلاّ لأنّ أكثر اليهود من الفاسقين الذين انغمسوا في الذنوب ،ولذلك فهملانحرافهم وتلوثهم بالآثاميعيبون على كل إنسان ظاهر اتباعه للصواب وسيره في طريق الحقّ حيث تؤكّد الآية: ( وإنّ أكثركم فاسقون ) .
وبديهي أنّ المقاييس في محيط موبوء بالفساد والفسق ،تنقلبأحياناًبحيث يصبح الحقّ باطلا والباطل حقاً ،ويصبح العمل الصالح والاعتقاد النزيه شيئاً قبيحاً مثيراً للاعتراض والانتقاد ،بينما يعتبر كل عمل قبيح شيئاً جميلا جديراً بالاستحسان والمديح ،وهذه هي طبيعة المسخ الفكري الناتج عن الانغماس في الخطايا والذنوب إلى درجة الإِدمان .
وتجدر الإِشارة إلى أنّ هذه الآية تنتقد جميع أهل الكتاب ،وواضح أنّها عزلت حساب الأقلية الصالحة بدقة عن الأكثرية الآثمة باستخدام كلمة ( أكثركم ) في العبارة الأخيرة منها .