المفردات:
تنقمون: تعيبون علينا وتنكرون منا .
التفسير:
59- قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ هَلْ تَنقِمُونَ مِنَّا إِلاَّ أَنْ آمَنَّا بِاللّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلُ ...
سبب النزول: أن نفرا من اليهود أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألوه عمن يؤمن به من الرسل فذكر جميع الأنبياء ،فلما ذكر عيسى ،جحدوا نبوته ،وقالوا: والله ما نعلم دينا شرا من دينكم ،فنزلت هذه الآية والتي بعدها{[276]} .
ومعنى نقمت: بالغت في كراهية الشيء ،والمعنى: هل تكرهون منا إلا إيماننا وفسقكم لأنكم علمتم أننا على الحق ،وأنكم فسقتم .
وجاء في التفسير الوسيط:
قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ هَلْ تَنقِمُونَ مِنَّا .أي: ما تنكرون منا وتعيبون علينا إلا إيماننا بالله وما أنزل إلينا من القرآن المجيد وإيماننا بما أنزل من قبل إنزال القرآن الكريم: من التوراة والإنجيل المنزلين عليكم ،وسائر الكتب السماوية ،وكذلك إيماننا بأنكم قوم فاسقون متمردون على الحق خارجون عن الطريق المستقيم للصالح الإنساني ،مكذبون بنبوة محمد الذي بشرت به كتبكم وجاء لخلاصكم{[277]} .
وقال الشوكاني في فتح القدير في معنى الآية:
هل تعيبون أو تسخطون أو تنكرون أو تكرهون منا إلا إيمانا بالله وبكتبه المنزلة ،وقد علمتم بأننا على الحق .
وَأَنَّ أَكْثَرَكُمْ فَاسِقُونَ .بترككم للإيمان والخروج عن امتثال أوامر الله .اه .
ومن بلاغة القرآن الكريم وإنصافه في الأحكام واحترسه في التعبير ،أنه لم يعمم الحكم بالفسق على جميعهم ،بل جعل الحكم بالفسق منصبا على الكثيرين منهم حتى يخرج عن هذا الحكم القلة المؤمنة من أهل الكتاب ،وشبيه بهذا قوله في آية أخرى: مِّنْهُمْ أُمَّةٌ مُّقْتَصِدَةٌ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ سَاء مَا يَعْمَلُونَ .( المائدة:66 ) .
وفي الآية ما يسمى عند علماء البيان تأكيد المدح بما يشبه الذم وبالعكس .فمن الأول قول القائل:
ولا عيب فيهم غير أن سيوفهم *** بهن فلول من قراع الكتائب
وقول الآخر:
فتكلمت أخلاقه غير أنه جواد فما يبقى من المال باقيا
أما تأكيد الذم بما يشبه المدح ففي هذه الآية وما يشبهها .أي: ما ينبغي أن ينقموا شيئا إلا هذا ،وهذا لا يوجب لهم أن ينقموا شيئا ، إذا فليس هناك شيء ينقمونه ،وما دام الأمر كذلك ،فينبغي لهم أن يؤمنوا به ولا يكفروا ،وفيه أيضا تقريع لهم حيث قابلوا الإحسان بسوء الصنيع{[278]}