{ قل لو أن عندي ما تستعجلون به لقضي الأمر بيني وبينكم} أي قل أيها الرسول لهؤلاء الذين يستعجلونك بالعذاب كقولهم:{ اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم} [ الأنفال:32]:لو أن عندي ما تستعجلون به بأن كان مما جعله الله في مكنتي وتصرفي بقدرتي الكسبية أو بجعله آية خاصة بي لقضي الأمر بيني وبينكم بإهلاكي للظالمين منكم الذين يصدونني عن تبليغ دعوة ربي ، ويصدون الناس عني ، فإن الإنسان خلق من عجل وإنما أستعجل أنا بإهلاك الظالمين منكم ما وعدني ربي من نصر المؤمنين المصلحين المظلومين ، وخذلان الكافرين المفسدين الظالمين ، وهو استعمال للخير ، وأنتم إنما تستعجلون الشر لأنفسكم ، وتقطعون عليها طريق الهداية بإمهال الله لكم .
{ والله أعلم بالظالمين ( 58 )} الذين تمكن الظلم من أنفسهم وأحاط بها فلا رجاء برجوعهم عنه إلى الإيمان والحق والعدل ، وبمن ألم بهم الظلم أو ألموا به ولكنه لم يمح نور الفطرة من أنفسهم ولم يذهب باستعدادهم للاهتداء إلى الحق الذي أدعوهم إليه .ولما كان سبحانه وتعالى أعلم بالظالمين لم يجعل أمر عقابهم إلي فهو عنده لا عندي ، ولكل من عذاب الدنيا والآخرة أجل مسمى عنده يراه قريبا وترونه بعيدا ، وأيامه تعالى في عالم التكوين وشؤون الأمم ليست قصيرة كأيامنا بل طويلة{ ويستعجلونك بالعذاب ولن يخلف الله وعده وإن يوما عند ربك كألف سنة مما تعدون * وكأين من قرية أمليت لها وهي ظالمة ثم أخذتها وإلي المصير} [ الحج:25 ، 26] فهو لا يؤخر ما وعد به إلى الأجل المسمى عنده لا لحكمة{ ولكل أمة أجل فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون} [ الأعراف:33] ، هذا ما ظهر لنا في قضاء الأمر على تقدير كون ما يستعجلون به في مكنته صلى الله عليه وآله وسلم .وليس المراد به أنه كان يهلكهم كلهم كما هلكت الأمم التي كذبت الرسل من قبلهم أي ليس المراد بما يقضي من الأمر هنا عذاب الاستئصال ولا عذاب الآخرة وإن كانوا قد استعجلوا كلا منهما بل نصر الرسول عليهم .وفي قوله:{ لقضي الأمر} بإسناد الفعل إلى المفعول إشارة إلى أنه لو كان عنده صلى الله عليه وسلم وقضي لما قضي إلا بمشيئة الله تعالى وقدرته .