ثم أورد الآيات في ذلك ومنها الآية التي نفسرها ، وقد أعيد ذكر الهداية لبيان متعلقها وهو الصراط المستقيم ، على ما فيه من التأكيد ، وليرتب عليه قوله:{ ذلك هدى الله يهدي به من يشاء من عباده}
أي ذلك الهدى إلى صراط مستقيم ، وهو ما كان عليه أولئك الأخيار مما ذكر من الدين القويم ، والفضل العظيم ، هو هدى الله الخاص ، الذي هو وراء جميع أنواع الهدى العام ، كهدى الحواس والعقل والوجدان ، لأنه عبارة عن الإيصال بالفعل إلى الحق والخير على الوجه الذي يؤدي إلى السعادة ، وقد تقدم شرح ذلك في تفسير سورة الفاتحة .وقوله:{ يهدي به من يشاء من عباده} يقع على درجتين:هداية ليس لصاحبها سعي لها ولا هي مما ينال بكسبه ، وهي النبوة المشار إليها بقوله تعالى:{ ووجدك ضالا فهدى} [ الضحى:7] وهداية قد تنال بالكسب والاستعداد ، مع اللطف الإلهي والتوفيق لنيل المراد ، وقد تقدم كلام بهذا المعنى في هذا السياق .
{ ولو أشركوا لحبط عنهم ما كانوا يعملون ( 88 )} أي ولو فرض أن أشرك بالله أولئك المهديون المجتبون ، لحبط أي بطل وسقط عنهم ثواب ما كانوا يعملون ، بزوال أفضل آثار أعمالهم في أنفسهم ، الذي هو الأساس لما رفع من درجاتهم ، لأن توحيد الله تعالى لما كان منتهى الكمال المزكي للأنفس ، كان ضده وهو الشرك منتهى النقص والفساد المدسي لها ، والمفسد لفطرتها ، فلا يبقى معه تأثير نافع لعمل آخر فيها ، يمكن أن يترتب عليه نجاتها وفلاحها .