{ كدأب آل فرعون والذين من قبلهم كذبوا بآيات ربهم فأهلكناهم بذنوبهم وأغرقنا آل فرعون وكل كانوا ظالمين ( 54 )} .
{ كدأب آل فرعون والذين من قبلهم كذبوا بآيات ربهم} الكلام في هذا كالكلام في نظيره من حيث إنه شاهد حق واقع فيما تقدم من سنة الله تعالى في الأمم والدول ، وإنما يخالفه في موضوع دأب القوم وفي الجزاء المشار إليهما فيما اختلف به التعبير من الآيتين ، فالآية السابقة في بيان كفرهم بآيات الله وهو جحد ما قامت عليه أدلة الرسل من وحدانية الله ووجوب إفراده بالعبادة الخ وفي تعذيب الله إياهم في الآخرة .فتكرار اسم الجلالة فيها يدل على ما ذكرنا لأنه متعلق بحقه تعالى من حيث ذاته وصفاته وفي الجزاء الدائم على الكفر به الذي يبتدئ بالموت وينتهي بدخول النار .وهذه الآية في تكذيبهم بآيات ربهم من حيث إنه هو المربي لهم بنعمه ، ولهذا ذكر فيها اسم الرب مضافا إليهم بدل اسم الجلالة هناكفيدخل في ذلك تكذيب الرسل ومعاندتهم وإيذاؤهم وكفر النعم المتعلقة ببعثتهم والسابقة عليها ، وفي الجزاء على ذلك بعذاب الدنيا .
فقوله تعالى{ فأهلكناهم بذنوبهم وأغرقنا آل فرعون وكل كانوا ظالمين} كقوله في آية العنكبوت{ فكلا أخذنا بذنبه فمنهم من أرسلنا عليه حاصبا ومنهم من أخذته الصيحة ومنهم من خسفنا به الأرض ومنهم من أغرقنا وما كان الله ليظلمهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون} [ العنكبوت:40] .
وحاصل المعنى أن ما يحفظه التاريخ من وقائع الأمم من دأبها وعاداتها في الكفر والتكذيب والظلم في الأرض ، ومن عقاب الله إياها ، هو جار على سنته تعالى المطردة في الأمم ، ولا يظلم تعالى أحدا بسلب نعمة ولا إيقاع نقمة ، وإنما عقابه لهم أثر طبيعي لكفرهم وفسادهم وظلمهم لأنفسهمهذا هو المطرد في كل الأمم في جميع الأزمنة .وأما عقاب الاستئصال بعذاب سماوي فهو خاص بمن طلبوا الآيات من الرسل وأنذرهم العذاب إذا كفروا بها ففعلوا .