/م23
فقال:
{ يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا آباءكم وإخوانكم أولياء} أي لا يتخذ أحد منكم أحدا من أب أو أخ وليا له ينصره في القتال ، أو يظاهر لأجله الكفار ، بأن يتخذه بطانة ووليجة يخبره بأسرار المؤمنين ، وما يستعدون به لقتال المشركين ، كما علم في هذا السياق من آية 6{ أم حسبتم أن تتركوا ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ولم يتخذوا من دون الله ولا رسوله ولا المؤمنين وليجة} .
{ إن استحبوا الكفر على الإيمان} أي إن أصروا على الكفر وآثروه على الإيمان بالحب وما يقتضيه هذا الحب من قتال المؤمنين وعداوتهم ، كما علم من شأنهم منذ ظهر الإسلام إلى نزول هذه السورة بعد فتح مكة ، ولا سيما جموعهم في حنين الآتي ذكرها .وقد علم من قبل فتحها أن حاطب بن أبي بلتعة -وهو من أهل بدر- قد استخفته نعرة القرابة فكتب إلى مشركي مكة سرا يعلمهم فيه بما عزم عليه النبي صلى الله عليه وسلم من قتالهم ، ليتخذ له بذلك يدا عندهم يكافئونه عليها بحماية ما كان له عندهم من قرابة ، وفي ذلك نزلت سورة الممتحنة في نهي المؤمنين عن موالاة أعداء الله وأعدائهم وعن موادتهم ، فتراجع فكل ما فيها من تعليل وتقييد للنهي عن المودة والموالاة فهو معتبر هنا ، وقيل:إن هذه الآية نزلت في قصته ، وقيل:فيما تقدم من امتناع العباس من الهجرة لما دعي إليها ، وقيل:في كل من ثقلت عليه الهجرة عندما دعوا إليها ، ولا يصح من ذلك شيء ، وقيل:في الذين شكوا مما أوجبته هذه السورة من البراءة من المشركين وتحدثوا باستنكاره ، والصواب ما تقدم من نزولها مع ما قبلها وما بعدها ، وأنهم استثقلوا ذلك ولم يصح أنهم شكوا منه .
{ ومن يتولهم منكم فأولئك هم الظالمون} أي ومن يتولهم منكم -والحال ما ذكر- فأولئك المتولون لهم هم الظالمون لأنفسهم ولجماعتهم ، العريقون في الظلم ، الراسخون فيه بوضع الولاية في موضع البراءة والمودة في محل العداوة ، دون من لم تستخفه نعرة القرابة وحمية الجاهلية النسبية إلى أن تحمله على ولاية أعداء الله ورسوله والمؤمنين بنصرهم ومظاهرتهم في القتال وما يتعلق به .فهو بمعنى قوله تعالى في سورة الممتحنة{ لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين إنما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم في الدين وأخرجوكم من دياركم وظاهروا على إخراجكم أن تولوهم ومن يتولهم فأولئك هم الظالمون} [ الممتحنة:8 ، 9] فإنما النهي عن ولاية الحرب والنصرة للكافرين المحاربين لنا لأجل ديننا .ومثله النهي عن تولي أهل الكتاب في سورة المائدة وقوله فيها{ ومن يتولهم منكم فإنه منهم إن الله لا يهدي القوم الظالمين} [ المائدة:35] فالظلم في الآيات الثلاث واحد والولاية واحدة ، وذكر بعض المفسرين أن ابن عباس فسر الظلم في آية براءة بالشرك ؛ لأن متولي القوم منهم كما قال ابن جرير في آية المائدة ، وإنما يتحقق هذا في الولاية التامة دون مثل ما فعل حاطب متأولا .