/م67
ثم قفى تعالى على بيان حالهم هذه بذكر ما أعده لهم ولإخوانهم الكفار من العقاب فقال:{ وعد الله المنافقين والمنافقات والكفار نار جهنم خالدين فيها}
الوعد يستعمل في الخير والشر ، وفيما ينفع وفيما يضر ، والوعيد خاص بالثاني ، ولا يكاد يذكر الوعد فيه إلا مع ذكر متعلقه صراحة أو ضمناً كهذه الآية ، وقد فصلنا هذه المسألة في الجزء السابع من هذا التفسير ، وذكر في هذه الآية المنافقات مع المنافقين للنص على أن في النساء نفاقاً كالرجال ، وإن كان هذا معروفاً في طباع الناس ، كما قرن ذكر الذكور في صفات الإيمان ، وأخَّر ذكر الكفار في مقام الوعيد للإيذان بأن المنافقينوإن أظهروا الإيمان وعملوا أعمال الإسلامشر من الكفار الصرحاء ، ولا سيما المتدينين منهم بأديان باطلة من الأصل ، أو محرفة ومنسوخة كأهل الكتاب ، وقد تكرر هذا في القرآن وبينا وجهه .
وتقدم آنفا ذكر الخلود في جهنم وعيداً على محادة الله ورسوله ، وزاد هنا ثلاثاً فقال:{ هي حسبهم} الخ فزيادة التشديد في الوعيد للفرق بين جزاء جماعة المنافقين والكفار الراسخين في النفاق والكفر المتعاونين على أعمالهما ، وجزاء أفراد العاصين لله ورسوله ، فمفاسد هؤلاء الأفراد شخصية كبيرها وصغيرها ، وأما مفاسد جماعات النفاق والكفر القومية والأمم المتعاونة فيها فهي أكبر لأنها أعم .والمعنى أن نار جهنم فيها من الجزاء ما يكفيهم عقاباً في الآخرة ،{ ولعنهم الله} في الدنيا والآخرة بحرمانهم من رحمته الخاصة ، التي لا يستحقها إلا المؤمنون الصادقون ، الذين تذكر صفاتهم في الآيات المقابلة لهذه عقبها .
{ ولهم عذاب مقيم} أي ثابت لا يتحول عنهم ، والظاهر من العطف أنه نوع من العذاب نفسي معنوي غير عذاب جهنم الحسي الخاص بها بنوعيه الظاهر والباطن:الظاهر كالسموم الذي يلفح وجوههم ، والحرارة التي تنضج جلودهم ، والحميم الذي يصهر ما في بطونهم ، والزقوم طعام الأثيم ، والضريع الذي لا يسمن ولا يغني من جوع .والباطن المعبر عن بقوله تعالى في الحطمة:{ التي تطلع على الأفئدة} [ الهمزة:7] ، فهذا النوع المقيم إن كان في الدنيا فهو ما يلصق بقلوب المنافقين من خوف الفضيحة ، وما تقدم بيانه في تفسير قوله تعالى في أموالهم وأولادهم:{ إنما يريد الله أن يعذبهم بها في الدنيا} [ التوبة:85] وغير ذلك من تعذيب الضمير والوجدان ، ولكل طائفة من الكفار عذاب دنيوي مقيم بحسب حالهم ، ولا سيما المعطلين منهم ، الذين لا هم لهم إلا في لذات الدنيا ، فكل ما يفوتهم منها أو ينغصها عليهم لهم فيه عذاب لا يشعر به المؤمنون الراضون بقضاء الله ، الصابرون على بلائه ، الشاكرون لنعمائه ، وإن كان في الآخرة فهو حرمانهم من لقاء الله تعالى وكرامته ، والحجاب دون رؤيته ، كما قال:{ كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون ثم إنهم لصالوا الجحيم} [ المطففين:15] ، وما يذكيه في قلوبهم إطلاع الله تعالى إياهم على أهل الجنة وما هم فيه من النعيم المقيم ، كما تقدم في سورة الأعراف .ولعل هذا هو المراد ، ويدل عليه ما يقابله في جزاء المؤمنين من الرضوان الأكبر الذي عطف على نعيم الجنة ، ولا مانع من شموله لما في الدنيا والآخرة ، ولكنه في عذاب الآخرة المعنوي أظهر ، وأعم وأشمل ، وتقدم ذكر العذاب المقيم في سورة المائدة بما يدل على أنه في النار [ المائدة:40] .