يقول تعالى:إنما شرع لكم نحر هذه الهدايا والضحايا ، لتذكروه عند ذبحها ، فإنه الخالق الرازق لا أنه يناله شيء من لحومها ولا دمائها ، فإنه تعالى هو الغني عما سواه .
وقد كانوا في جاهليتهم إذا ذبحوها لآلهتهم وضعوا عليها من لحوم قرابينهم ، ونضحوا عليها من دمائها ، فقال تعالى:( لن ينال الله لحومها ولا دماؤها )
وقال ابن أبي حاتم:حدثنا علي بن الحسين ، حدثنا محمد بن أبي حماد ، حدثنا إبراهيم بن المختار ، عن ابن جريج قال:كان أهل الجاهلية ينضحون البيت بلحوم الإبل ودمائها ، فقال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم:فنحن أحق أن ننضح ، فأنزل الله:( لن ينال الله لحومها ولا دماؤها ولكن يناله التقوى منكم ) أي:يتقبل ذلك ويجزي عليه .
كما جاء في الصحيح:"إن الله لا ينظر إلى صوركم ولا إلى أموالكم ، ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم "وما جاء في الحديث:"إن الصدقة تقع في يد الرحمن قبل أن تقع في يد السائل ، وإن الدم ليقع من الله بمكان قبل أن يقع على الأرض "كما تقدم الحديث . رواه ابن ماجه ، والترمذي وحسنه عن عائشة مرفوعا . فمعناه:أنه سيق لتحقيق القبول من الله لمن أخلص في عمله ، وليس له معنى يتبادر عند العلماء المحققين سوى هذا ، والله أعلم .
وقال وكيع ، عن [ يحيى] بن مسلم أبي الضحاك:سألت عامرا الشعبي عن جلود الأضاحي ، فقال:( لن ينال الله لحومها ولا دماؤها ) ، إن شئت فبع ، وإن شئت فأمسك ، وإن شئت فتصدق .
وقوله:( كذلك سخرها لكم ) أي:من أجل ذلك سخر لكم البدن ، ( لتكبروا الله على ما هداكم ) أي:لتعظموه كما هداكم لدينه وشرعه وما يحبه ، وما يرضاه ، ونهاكم عن فعل ما يكرهه ويأباه .
وقوله:( وبشر المحسنين ) أي:وبشر يا محمد المحسنين ، أي:في عملهم ، القائمين بحدود الله ، المتبعين ما شرع لهم ، المصدقين الرسول فيما أبلغهم وجاءهم به من عند ربه عز وجل .
[ مسألة] .
وقد ذهب أبو حنيفة ومالك والثوري إلى القول بوجوب الأضحية على من ملك نصابا ، وزاد أبو حنيفة اشتراط الإقامة أيضا . واحتج لهم بما رواه أحمد وابن ماجه بإسناد رجاله كلهم ثقات ، عن أبي هريرة مرفوعا:"من وجد سعة فلم يضح ، فلا يقربن مصلانا "على أن فيه غرابة ، واستنكره أحمد بن حنبل .
وقال ابن عمر:أقام رسول الله صلى الله عليه وسلم عشر سنين يضحي . رواه الترمذي .
وقال الشافعي ، وأحمد:لا تجب الأضحية ، بل هي مستحبة; لما جاء في الحديث:"ليس في المال حق سوى الزكاة ". وقد تقدم أنه ، عليه السلام ضحى عن أمته فأسقط ذلك وجوبها عنهم .
وقال أبو سريحة:كنت جارا لأبي بكر وعمر ، فكانا لا يضحيان خشية أن يقتدي الناس بهما .
وقال بعض الناس:الأضحية سنة كفاية ، إذا قام بها واحد من أهل دار أو محلة ، سقطت عن الباقين; لأن المقصود إظهار الشعار .
وقد روى الإمام أحمد ، وأهل السنن وحسنه الترمذي عن مخنف بن سليم; أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول بعرفات:"على كل أهل بيت في كل عام أضحاة وعتيرة ، هل تدرون ما العتيرة؟ هي التي تدعونها الرجبية ". وقد تكلم في إسناده .
وقال أبو أيوب:كان الرجل في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يضحي بالشاة الواحدة عنه وعن أهل بيته ، يأكلون ويطعمون [ حتى تباهى] الناس فصار كما ترى .
رواه الترمذي وصححه ، وابن ماجه .
وكان عبد الله بن هشام يضحي بالشاة الواحدة عن جميع أهله . رواه البخاري .
وأما مقدار سن الأضحية ، فقد روى مسلم عن جابر; أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"لا تذبحوا إلا مسنة ، إلا أن يعسر عليكم ، فتذبحوا جذعة من الضأن ".
ومن هاهنا ذهب الزهري إلى أن الجذع لا يجزئ . وقابله الأوزاعي فذهب إلى أن الجذع يجزئ من كل جنس ، وهما غريبان . وقال الجمهور:إنما يجزئ الثني من الإبل والبقر والمعز ، والجذع من الضأن ، فأما الثني من الإبل:فهو الذي له خمس سنين ، ودخل في السادسة . ومن البقر:ما له [ سنتان] ودخل في [ الثالثة] ، وقيل:[ ما له] ثلاث [ ودخل في] الرابعة . ومن المعز:ما له سنتان . وأما الجذع من الضأن فقيل:ما له سنة ، وقيل:عشرة أشهر ، وقيل:ثمانية أشهر ، وقيل:ستة أشهر ، وهو أقل ما قيل في سنه ، وما دونه فهو حمل ، والفرق بينهما:أن الحمل شعر ظهره قائم ، والجذع شعر ظهره نائم ، قد انعدل صدعين ، والله أعلم .