/م36
37 - لَن يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِن يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنكُمْ ...الآية
المحسنين: المخلصين .
أي: إنما شرع الله لكم نحر هذه الهدايا والضحايا ؛لتذكروه عند ذبحها ،ولن يصل إليه شيء من لحومها ولا من دمائها ،ولكن يصله التقوى والإخلاص ،وترفع إليه الأعمال الصالحة .
قال ابن عباس:
كان أهل الجاهلية يضرجون البيت بدماء البدن ،فأراد المسلمون أن يفعلوا ذلك ؛فنزلت الآية: لن ينال الله لحومها ...
أي: إنه تعالى ليس له حاجة إلى لحومها ودمائها ؛حتى تضرجوا بها بيته ؛ولكن يناله التقوى منكم في كل أعمالكم ،ومنها إطعام المساكين من لحومها وقد حث النبي صلى الله عليه وآله وسلم على الإخلاص في الأعمال والقربات ،كما جاء في حديث مسلم: ( إن الله لا ينظر إلى صوركم ولا إلى أموالكم ،ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم )xxv .
كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ .
أي: مثل هذا التسخير العجيب سخرها لك ،وجعلها منقادة خاضعة ،فلا تستعصى عليكم مع ضخامتها .
لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ .
لكي تكبروا الله وتعظموه وتقدسوه ؛بسبب هدايتكم للإيمان .
وقيل: لتكبروا الله عند الذبح ،وقد أمروا بالتسمية في قوله تعالى: فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ .
وكان ابن عمر يجمع بينهما إذا نحر هديه فيقول: باسم الله والله أكبر .
وفي الحديث الصحيح ،عن أنس قال: ضحى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بكبشين أملحينxxvi أقرنين ،ورأيته يذبحهما بيديه ،ورأيته واضعا قدمه على صفاحهماxxvii وسمى وكبر .
وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ .
المخلصين في أعمالهم بالقيام بها كما شرع الله تعالى من غير من ولا أذى ،وعن ابن عباس: هم الموحدون .
قال صاحب الظلال:
وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ .
الذين يحسنون التصور ،و يحسنون الشعور ،ويحسنون العبادة ،ويحسنون الصلة بالله في كل نشاط الحياة ،وهكذا لا يخطوا المسلم خطوة ،ولا يتحرك حركة ،إلا وهو ينظر فيها إلى الله ويجيش قلبه فيها بتقواه ،ويتطلع إلى وجهه ورضاه ؛فإذا الحياة كلها عبادة ،تتحقق بها إرادة الله ،من خلق العباد ،وتصلح بها الحياة في الأرض ،وهي موصولة السبب بالسماء .
ملحق بتفسير الآيتين 36 ،37 الحج:
البدنة مفرد البدن:
والبدن: تطلق في رأي أبي حنيفة وآخرين من الصحابة والتابعين على الإبل والبقر ،روى مسلم ،عن جابر رضي الله عنه أنه قال: كنا ننحر البدنة عن سبعة ،فقيل: والبقرة ؟قال: وهل هي إلا من البدن .وقال ابن عمر رضي الله عنهما: لا نعلم البدن إلا من الإبل والبقر .
ومذهب الشافعية: أنه لا تطلق البدن في الحقيقة إلا على الإبل ،وإطلاقها على البقر مجاز ،فلو نذر بدنة لا تجزئه بقرة .وبدليل قوله تعالى: ( صوآف ) و ( وجبت جنوبها ) .فنحر الحيوان قائما لم يعهد إلا في الإبل خاصة .ويؤيده ما رواه أبو داود وغيره ،عن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ( البدنة عن سبعة ،والبقرة عن سبعة )xxviii .
فإن العطف يقتضي المغايرة ،وأما قولا جابر وابن عمر المتقدمان ؛فيحملان على أنهما أرادا اتحاد الحكم فيهما ،وهذا هو الظاهر والأصح لغة .
وجاء في تفسير القرطبي ما خلاصته:
تطلق البدنة على الإبل والبقر ،وفق ما قاله جمهور العلماء من أن البدنة تجزئ عن سبعة ،والبقرة تجزئ عن سبعة ؛لذلك جعلا في الشريعة جنسا واحدا ؛لتساويهما في الإجزاء عن عدد متحد ؛فضلا عن تساويهما تقريبا في البدانة .
وقيل: إن البدن خاص بالإبل ،بدليل الحديث الصحيح في يوم الجمعة: ( من راح في الساعة الأولى فكأنما قرب بدنة ؛ومن راح في الساعة الثانية فكأنما قرب بقرة ...)xxix الحديث .
فتفريقه عليه الصلاة والسلام ،بين البدنة والبقرة ؛يدل على أن البقرة لا يقال عنها بدنة ؛وإن كانت تكفي مثلها عن سبعة ،وأيضا قوله تعالى: فإذا وجبت جنوبها .يدل على ذلك ؛فإن هذا الوصف خاص بالإبل ؛أما البقر فتضجع وتذبح كالغنم .