يقول تعالى مخبرا عن جميع من بعثه من الرسل المتقدمين:إنهم كانوا يأكلون الطعام ، ويحتاجون إلى التغذي به ( ويمشون في الأسواق ) أي:للتكسب والتجارة ، وليس ذلك بمناف لحالهم ومنصبهم; فإن الله جعل لهم من السمات الحسنة ، والصفات الجميلة ، والأقوال الفاضلة ، والأعمال الكاملة ، والخوارق الباهرة ، والأدلة [ القاهرة] ، ما يستدل به كل ذي لب سليم ، وبصيرة مستقيمة ، على صدق ما جاءوا به من الله عز وجل . ونظير هذه الآية الكريمة قوله تعالى:( وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا نوحي إليهم من أهل القرى ) [ يوسف:109] ( وما جعلناهم جسدا لا يأكلون الطعام وما كانوا خالدين ) [ الأنبياء:8] .
وقوله:( وجعلنا بعضكم لبعض فتنة أتصبرون ) أي:اختبرنا بعضكم ببعض ، وبلونا بعضكم ببعض ، لنعلم من يطيع ممن يعصي; ولهذا قال:( أتصبرون وكان ربك بصيرا ) أي:بمن يستحق أن يوحى إليه ، كما قال تعالى:( الله أعلم حيث يجعل رسالته ) [ الأنعام:124] ، ومن يستحق أن يهديه الله لما أرسلهم به ، ومن لا يستحق ذلك .
وقال محمد بن إسحاق في قوله:( وجعلنا بعضكم لبعض فتنة أتصبرون ) قال:يقول الله:لو شئت أن أجعل الدنيا مع رسلي فلا يخالفون ، لفعلت ، ولكني قد أردت أن أبتلي العباد بهم ، وأبتليهم بهم .
وفي صحيح مسلم عن عياض بن حمار ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم:"يقول الله:إني مبتليك ، ومبتل بك ". وفي المسند عن رسول الله صلى الله عليه وسلم:"لو شئت لأجرى الله معي جبال الذهب والفضة "، وفي الصحيح أنه - عليه أفضل الصلاة والسلام - خير بين أن يكون نبيا ملكا أو عبدا رسولا فاختار أن يكون عبدا رسولا .