ثم أجاب عن شبههم السابقة .بقوله سبحانه:
{ وَما أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْوَاقِ} أي ليحتاجون إلى التغذي بالطعام ويتجولون في الأسواق للتكسب والتجارة .وليس ذلك بمناف لحالهم ومنصبهم .فإنه تعالى جعل لهم من السمات الحسنة ،والصفات الجميلة ،والأقوال الفاضلة ،والأعمال الكاملة ،والخوارق الباهرة ،والأدلة القاهرة ،ما يستدل به كل ذي لب سليم وبصيرة مستقيمة ،على صدق ما جاءوا به من الله .ونظير هذه الآية الكريمة قوله تعالى{[5890]}:{ وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا نوحي إليهم من أهل القرى} وقوله{[5891]}:{ وما جعلناهم جسدا لا يأكلون الطعام} .
تنبيه:
قال السيوطي في ( الإكليل ):في الآية إباحة دخول الأسواق للعلماء وأهل الصلاح ،خلافا لمن كرهها لهم .
وقوله تعالى:{ وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيرًا} .قال الزمخشري:هذا تصبير للنبي صلى الله عليه وسلم على ما قالوه واستبدعوه من أكله الطعام ومشيه في الأسواق .بعد ما احتج عليهم بسائر الرسل .يقول وجرت عادتي وموجب حكمتي على ابتلاء بعضكم ،أيها الناس ،ببعض .والمعنى أنه ابتلى المرسلين بالمرسل إليهم .وبمناصبتهم لهم العداوة .وأقاويلهم الخارجة عن حد الإنصاف ،وأنواع أذاهم ،وطلب منهم الصبر الجميل .ونحوه{[5892]}:{ ولتسمعن من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ومن الذين أشركوا أذى كثيرا ،وإن تصبروا وتتقوا فإن ذلك من عزم الأمور} وفي قوله تعالى:{ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيرًا} زيادة تسلية وعدة جليلة .أي هو عالم فيما يبتلى به وغيره ،فلا يضق صدرك .فإن في صبرك سعادة وفوزا في الدارين .