وقوله:( ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يؤمنون بالجبت والطاغوت ) أما "الجبت "فقال محمد بن إسحاق ، عن حسان بن فائد ، عن عمر بن الخطاب أنه قال:"الجبت ":السحر ، و "الطاغوت ":الشيطان .
وهكذا روي عن ابن عباس ، وأبي العالية ، ومجاهد ، وعطاء ، وعكرمة ، وسعيد بن جبير ، والشعبي ، والحسن ، والضحاك ، والسدي .
وعن ابن عباس ، وأبي العالية ، ومجاهد ، وعطاء ، وعكرمة ، [ وأبي مالك] وسعيد بن جبير ، والشعبي ، والحسن ، وعطية:"الجبت "الشيطان - زاد ابن عباس:بالحبشية . وعن ابن عباس أيضا:"الجبت ":الشرك . وعنه:"الجبت ":الأصنام .
وعن الشعبي:"الجبت ":الكاهن . وعن ابن عباس:"الجبت ":حيي بن أخطب . وعن مجاهد:"الجبت ":كعب بن الأشرف .
وقال العلامة أبو نصر بن إسماعيل بن حماد الجوهري في كتابه "الصحاح ":"الجبت "كلمة تقع على الصنم والكاهن والساحر ونحو ذلك ، وفي الحديث:"الطيرة والعيافة والطرق من الجبت "قال:وهذا ليس من محض العربية ، لاجتماع الجيم والتاء في كلمة واحدة من غير حرف ذولقي .
وهذا الحديث الذي ذكره ، رواه الإمام أحمد في فقال:حدثنا محمد بن جعفر ، حدثنا ، عوف عن حيان أبي العلاء ، حدثنا قطن بن قبيصة ، عن أبيه - وهو قبيصة بن مخارق - أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم قال:"إن العيافة والطرق والطيرة من الجبت "وقال عوف:"العيافة ":زجر الطير ، و "الطرق ":الخط ، يخط في الأرض ، و "الجبت "قال الحسن:إنه الشيطان .
وهكذا رواه أبو داود في سننه والنسائي وابن أبي حاتم في تفسيريهما من حديث عوف الأعرابي ، به
وقد تقدم الكلام على "الطاغوت "في سورة البقرة بما أغنى عن إعادته هاهنا .
وقال ابن أبي حاتم:حدثنا أبي ، حدثنا إسحاق بن الضيف ، حدثنا حجاج ، عن ابن جريج ، أخبرني أبو الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله أنه سئل عن "الطواغيت "فقال:هم كهان تنزل عليهم الشياطين .
وقال مجاهد:"الطاغوت ":الشيطان في صورة إنسان ، يتحاكمون إليه ، وهو صاحب أمرهم .
وقال الإمام مالك:"الطاغوت ":هو كل ما يعبد من دون الله ، عز وجل .
وقوله:( ويقولون للذين كفروا هؤلاء أهدى من الذين آمنوا سبيلا ) أي:يفضلون الكفار على المسلمين بجهلهم ، وقلة دينهم ، وكفرهم بكتاب الله الذي بأيديهم .
وقد روى ابن أبي حاتم:حدثنا محمد بن عبد الله بن يزيد المقري ، حدثنا سفيان ، عن عمرو ، عن عكرمة قال:جاء حيي بن أخطب وكعب بن الأشرف إلى أهل مكة ، فقالوا لهم:أنتم أهل الكتاب وأهل العلم ، فأخبرونا عنا وعن محمد ، فقالوا:ما أنتم وما محمد . فقالوا:نحن نصل الأرحام ، وننحر الكوماء ، ونسقي الماء على اللبن ، ونفك العناة ، ونسقي الحجيج - ومحمد صنبور ، قطع أرحامنا ، واتبعه سراق الحجيج بنو غفار ، فنحن خير أم هو ؟ فقالوا:أنتم خير وأهدى سبيلا . فأنزل الله ( ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من [ الكتاب يؤمنون بالجبت والطاغوت ويقولون للذين كفروا هؤلاء أهدى من الذين آمنوا سبيلا] ) .
وقد روي هذا من غير وجه ، عن ابن عباس وجماعة من السلف .
وقال الإمام أحمد:حدثنا محمد بن أبي عدي ، عن داود ، عن عكرمة ، عن ابن عباس قال:لما قدم كعب بن الأشرف مكة قالت قريش:ألا ترى هذا الصنبور المنبتر من قومه ؟ يزعم أنه خير منا ، ونحن أهل الحجيج ، وأهل السدانة ، وأهل السقاية ! قال:أنتم خير . قال فنزلت ( إن شانئك هو الأبتر ) [ الكوثر:3] ونزل:( ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب ) إلى ( نصيرا ) .
وقال ابن إسحاق:حدثني محمد بن أبي محمد ، عن عكرمة أو عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس قال:كان الذين حزبوا الأحزاب من قريش وغطفان وبني قريظة حيي بن أخطب وسلام بن أبي الحقيق أبو رافع ، والربيع بن الربيع بن أبي الحقيق ، وأبو عمار ، ووحوح بن عامر ، وهوذة بن قيس . فأما وحوح وأبو عمار وهوذة فمن بني وائل ، وكان سائرهم من بني النضير ، فلما قدموا على قريش قالوا هؤلاء أحبار يهود وأهل العلم بالكتب الأول فسلوهم:أدينكم خير أم دين محمد ؟ فسألوهم ، فقالوا:بل دينكم خير من دينه ، وأنتم أهدى منه وممن اتبعه . فأنزل الله عز وجل:( ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من [ الكتاب يؤمنون بالجبت والطاغوت ويقولون للذين كفروا هؤلاء أهدى من الذين آمنوا سبيلا . أولئك الذين لعنهم الله ومن يلعن الله فلن تجد له نصيرا] ) إلى قوله عز وجل:( وآتيناهم ملكا عظيما ) .
وهذا لعن لهم ، وإخبار بأنهم لا ناصر لهم في الدنيا ولا في الآخرة ، لأنهم إنما ذهبوا يستنصرون بالمشركين ، وإنما قالوا لهم ذلك ليستميلوهم إلى نصرتهم ، وقد أجابوهم ، وجاءوا معهم يوم الأحزاب ، حتى حفر النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه حول المدينة الخندق ، فكفى الله شرهم ( ورد الله الذين كفروا بغيظهم لم ينالوا خيرا وكفى الله المؤمنين القتال وكان الله قويا عزيزا ) [ الأحزاب:25] .