/م51
التّفسير
المداهنون:
إِن الآية الأُولى من الآيتين الحاضرتين تعكسبملاحظةما ذكر في سبب النزول قريباًصفة أُخرى من صفات اليهود الذميمة ،وهي أنّهم لأجل الوصول إِلى أهدافهم كانوا يداهنون كل جماعة من الجماعات ،حتى أنّهم لكي يستقطبوا المشركين سجدوا لأصنامهم ،وتجاهلوا كل ما قرؤوه في كتبهم ،أو علموا به حول صفات رسول الله( صلى الله عليه وآله وسلم ) وعظمة الإِسلام ،بل وذهبوابغية إِرضاء المشركينإِلى ترجيح عقيدة الوثنيين بما فيها من خرافات وتفاهات وفضائح على الإِسلام الحنيف ،مع أنّ اليهود كانوا من أهل الكتاب ،وكانت المشتركات بينهم وبين الإِسلام تفوق بدرجات كبيرة ما يجمعهم مع الوثنيين ،ولهذا يقول سبحانه في هذه الآية مستغرباً: ( ألم تر إلى الذين أتوا نصيباً من الكتاب يؤمنون بالجبت والطّاغوت ) وهي الأصنام ؟
ولكنّهم لا يقتنعون بهذا ،ولا يقفون عند هذا الحدّ ،بل: ( ويقولون للذين كفروا هؤلاءِ أهدى من الذين آمنوا سبيلا ) .
الجبت والطّاغوت:
استعملت لفظة «الجبت » في هذه الآية من القرآن الكريم خاصّة ،وهو اسم جامد لا تعريف له في اللغة العربية ،ويقال أنّه يعني «السّحر » أو «السّاحر » أو «الشّيطان » بلغة أهل الحبشة ،ثمّ دخل في اللغة العربية واستعمل بهذا المعنى ،أو بمعنى الصنم أو أي معبود غير الله في هذه اللغة ،ويقال: أنه في الأصل «جبس » ثمّ أبدل «س » إِلى «ت » .
وأمّا لفظة «الطّاغوت » فقد استعملت في ثمانية موارد من القرآن الكريم ،وهيكما قلنا في المجلد الأوّل من هذا التّفسير لدى الحديث عن الآية ( 256 ) من سورة البقرةصيغة مبالغة{[804]} من مادة الطغيان ،بمعنى التعدي وتجاوز الحدّ ،ويطلق على كل شيء موجب لتجاوز الحدّ ( ومنها الأصنام ) ولهذا يسمى الشيطان ،والصنم والحاكم الجبار المتكبر ،وكل معبود سوى الله ،وكل مسيرة تنتهي إِلى غير الحق ،طاغوتاً .
هذا هو المعنى الكلي لهاتين اللفظتين .
أمّا المراد منهما في الآية المبحوثة الآن ،فذهب المفسرون فيه مذاهب شتى .
فقال البعض بأنّهما اسمان لصنمين سجد لهم اليهود في القصّة السابقة .
وقال آخرون: الجبت هنا هو الصنم ،والطّاغوت هم عبدة الأصنام ،أو حماتها الذين كانوا يمثلون تراجمة الأصنام الذين كانوا يتكلمون بالتكذيب عنها ليخدعوا الناس{[805]} ،وهذا المعنى أوفق لما جاء في سبب النزول وتفسير الآية ،لأنّ اليهود سجدوا للأصنام كما خضعوا أمام عبدتها الوثنيين أيضاً .