يقول تعالى:واذكر يا محمد فيما تقصه عليهم وتذكرهم به ( ويوم يحشرهم جميعا ) يعني:الجن وأولياءهم ( من الإنس ) الذين كانوا يعبدونهم في الدنيا ، ويعوذون بهم ويطيعونهم ، ويوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا . ( يا معشر الجن قد استكثرتم من الإنس ) أي:ثم يقول:يا معشر الجن . وسياق الكلام يدل على المحذوف .
ومعنى قوله:( قد استكثرتم من الإنس ) أي:من إضلالهم وإغوائهم ، كما قال تعالى ( ألم أعهد إليكم يا بني آدم أن لا تعبدوا الشيطان إنه لكم عدو مبين وأن اعبدوني هذا صراط مستقيم ولقد أضل منكم جبلا كثيرا أفلم تكونوا تعقلون ) [ يس:60 - 62] .
وقال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس:( يا معشر الجن قد استكثرتم من الإنس ) يعني:أضللتم منهم كثيرا . وكذلك قال مجاهد ، والحسن ، وقتادة .
( وقال أولياؤهم من الإنس ربنا استمتع بعضنا ببعض ) يعني:أن أولياء الجن من الإنس قالوا مجيبين لله تعالى عن ذلك بهذا .
قال ابن أبي حاتم:حدثنا أبي ، حدثنا أبو الأشهب هوذة بن خليفة ، حدثنا عوف ، عن الحسن في هذه الآية قال:استكثر ربكم أهل النار يوم القيامة ، فقال أولياؤهم من الإنس:ربنا استمتع بعضنا ببعض . قال الحسن:وما كان استمتاع بعضهم ببعض إلا أن الجن أمرت ، وعملت الإنس .
وقال محمد بن كعب في قوله:( ربنا استمتع بعضنا ببعض ) قال:الصحابة في الدنيا .
وقال ابن جريج:كان الرجل في الجاهلية ينزل الأرض ، فيقول:"أعوذ بكبير هذا الوادي ":فذلك استمتاعهم ، فاعتذروا يوم القيامة .
وأما استمتاع الجن بالإنس فإنه كان - فيما ذكر - ما ينال الجن من الإنس من تعظيمهم إياهم في استعانتهم بهم ، فيقولون:قد سدنا الإنس والجن .
( وبلغنا أجلنا الذي أجلت لنا ) قال السدي ، أي الموت .
قال:( النار مثواكم ) أي:مأواكم ومنزلكم ، أنتم وأولياؤكم . ( خالدين فيها ) أي:ماكثين مكثا مخلدا إلا ما شاء الله .
قال بعضهم:يرجع معنى هذا الاستثناء إلى البرزخ . وقال بعضهم:هذا رد إلى مدة الدنيا . وقيل غير ذلك من الأقوال التي سيأتي تقريرها إن شاء الله عند قوله تعالى في سورة هود:( خالدين فيها ما دامت السماوات والأرض إلا ما شاء ربك إن ربك فعال لما يريد ) [ الآية:107] .
وقد روى ابن جرير وابن أبي حاتم في تفسير هذه الآية من طريق عبد الله بن صالح - كاتب الليث -:حدثني معاوية بن صالح ، عن علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس قال:( النار مثواكم خالدين فيها إلا ما شاء الله إن ربك حكيم عليم ) قال:إن هذه الآية آية لا ينبغي لأحد أن يحكم على الله في خلقه ، ولا ينزلهم جنة ولا نارا .