( وما وجدنا لأكثرهم ) أي:لأكثر الأمم الماضية ( من عهد وإن وجدنا أكثرهم لفاسقين ) أي:ولقد وجدنا أكثرهم فاسقين خارجين عن الطاعة والامتثال . والعهد الذي أخذه عليهم هو ما جبلهم عليه وفطرهم عليه ، وأخذ عليهم في الأصلاب أنه ربهم ومليكهم ، وأنه لا إله إلا هو ، فأقروا بذلك ، وشهدوا على أنفسهم به ، فخالفوه وتركوه وراء ظهورهم ، وعبدوا مع الله غيره بلا دليل ولا حجة ، لا من عقل ولا شرع ، وفي الفطر السليمة خلاف ذلك ، وجاءت الرسل الكرام من أولهم إلى آخرهم بالنهي عن ذلك ، كما جاء في صحيح مسلم يقول الله تعالى:"إني خلقت عبادي حنفاء ، فجاءتهم الشياطين فاجتالتهم عن دينهم ، وحرمت عليهم ما أحللت لهم ". وفي الصحيحين:"كل مولود يولد على الفطرة ، فأبواه يهودانه وينصرانه ويمجسانه "الحديث . وقال تعالى في كتابه العزيز:( وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون ) [ الأنبياء:25] وقال تعالى:( واسأل من أرسلنا من قبلك من رسلنا أجعلنا من دون الرحمن آلهة يعبدون ) [ الزخرف:45] وقال تعالى:( ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت ) [ النحل:36] إلى غير ذلك من الآيات .
وقد قيل في تفسير قوله تعالى:( فما كانوا ليؤمنوا بما كذبوا من قبل ) ما روى أبو جعفر الرازي ، عن الربيع بن أنس ، عن أبي العالية ، عن أبي بن كعب في قوله:( فما كانوا ليؤمنوا بما كذبوا من قبل ) قال:كان في علمه تعالى يوم أقروا له بالميثاق ، أي:فما كانوا ليؤمنوا لعلم الله منهم ذلك ، وكذا قال الربيع بن أنس ، واختاره ابن جرير .
وقال السدي:( فما كانوا ليؤمنوا بما كذبوا من قبل ) قال:ذلك يوم أخذ منهم الميثاق فآمنوا كرها .
وقال مجاهد في قوله:( فما كانوا ليؤمنوا بما كذبوا من قبل ) هذا كقوله:( ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه وإنهم لكاذبون ) [ الأنعام:28]